مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة والرابعة والستين (١٦٤) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة والرابعة والستين من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ﴿١٦٤

الأستماع الى الآية المئة والرابعة والستين من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 164 من سورة البَقَرَة

(إِنَّ) حرف مشبه بالفعل. (فِي خَلْقِ) متعلقان بمحذوف خبر إن المقدم. (السَّماواتِ) مضاف إليه. (وَالْأَرْضِ) عطف. (وَاخْتِلافِ) عطف على خلق. (اللَّيْلِ) مضاف إليه. (وَالنَّهارِ) عطف على الليل. (وَالْفُلْكِ) عطف على خلق. (الَّتِي) اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للفلك. (تَجْرِي) فعل مضارع والفاعل هي والجار والمجرور (فِي الْبَحْرِ) متعلقان بالفعل قبلهما والجملة صلة الموصول. (بِما) الباء حرف جر ما اسم موصول والجار والمجرور متعلقان بالفعل تجري. (يَنْفَعُ النَّاسَ) فعل مضارع ومفعول به والجملة صلة الموصول. (وَما) اسم موصول معطوف على ما سبق. (أَنْزَلَ اللَّهُ) فعل ماض ولفظ الجلالة فاعل والجملة صلة. (مِنَ السَّماءِ) متعلقان بأنزل. (مِنْ ماءٍ) الجار والمجرور بدل من قوله: (من السماء). (فَأَحْيا) الفاء عاطفة أحيا عطف على أنزل. (بِهِ) جار ومجرور متعلقان بأحيا. (الْأَرْضِ) مفعول به. (بَعْدَ) ظرف زمان متعلق بأحيا. (مَوْتِها) مضاف إليه والهاء مضاف إليه. (وَبَثَّ) عطف على أحيا (فِيها). (مِنْ كُلِّ) كلاهما متعلقان ببث. (دَابَّةٍ) مضاف إليه. (وَتَصْرِيفِ) عطف على خلق. (الرِّياحِ) مضاف إليه. (وَالسَّحابِ) عطف على الرياح. (الْمُسَخَّرِ) صفة للسحاب. (بَيْنَ) ظرف مكان متعلق بمسخر. (السَّماءِ) مضاف إليه. (وَالْأَرْضِ) معطوف. (لَآياتٍ) اللام لام التوكيد وقيل المزحلقة. آيات اسم إن المؤخر منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. (لِقَوْمٍ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لآيات. (يَعْقِلُونَ) فعل مضارع والواو فاعل والجملة في محل جر صفة لقوم.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (164) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (25) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (2)

مواضيع مرتبطة بالآية (22 موضع) :

الآية 164 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ﴿١٦٤

تفسير الآية 164 من سورة البَقَرَة

إن في خلق السماوات بارتفاعها واتساعها، والأرض بجبالها وسهولها وبحارها، وفي اختلاف الليل والنهار من الطول والقصر، والظلمة والنور، وتعاقبهما بأن يخلف كل منهما الآخر، وفي السفن الجارية في البحار، التي تحمل ما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء المطر، فأحيا به الأرض، فصارت مخضرَّة ذات بهجة بعد أن كانت يابسة لا نبات فيها، وما نشره الله فيها من كل ما دبَّ على وجه الأرض، وما أنعم به عليكم من تقليب الرياح وتوجيهها، والسحاب المسيَّر بين السماء والأرض -إن في كل الدلائل السابقة لآياتٍ على وحدانية الله، وجليل نعمه، لقوم يعقلون مواضع الحجج، ويفهمون أدلته سبحانه على وحدانيته، واستحقاقه وحده للعبادة.

إن في خلق السماوات والأرض» وما فيهما من العجائب (واختلاف الليل والنهار) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان (والفلك) السفن (التي تجري في البحر) ولا ترسب موقرة (بما ينفع الناس) من التجارات والحمل (وما أنزل الله من السماء من ماء) مطر (فأحيا به الأرض) بالنبات (بعد موتها) يبسها (وبث) فرق ونشربه (فيها من كل دابة) لأنهم ينمون بالخصب الكائن عنه (وتصريف الرياح) تقليبها جنوبا وشمالا حارة وباردة (والسحاب) الغيم (المسخَّر) المذلَّل بأمر الله تعالى يسير إلى حيث شاء الله (بين السماء والأرض) بلا علاقة (لآيات) دالاّت على وحدانيته تعالى (لقوم يعقلون) يتدبرون.

أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة, آيات أي: أدلة على وحدانية الباري وإلهيته، وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته، ولكنها ( لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) أي: لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له، فعلى حسب ما منّ الله على عبده من العقل, ينتفع بالآيات ويعرفها بعقله وفكره وتدبُّره، ففي ( خَلْقِ السَّمَاوَاتِ ) في ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها, وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم, وتنظيمها لمصالح العباد. وفي خلق ( الْأَرْضِ ) مهادا للخلق, يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها, والاعتبار. ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير, وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها, وحكمته التي بها أتقنها, وأحسنها ونظمها, وعلمه ورحمته التي بها أودع ما أودع, من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم. وفي ذلك أبلغ الدليل على كماله, واستحقاقه أن يفرد بالعبادة, لانفراده بالخلق والتدبير, والقيام بشئون عباده ( و ) في ( اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) وهو تعاقبهما على الدوام, إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر, والبرد, والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط, وما ينشأ عن ذلك من الفصول, التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم, وجميع ما على وجه الأرض, من أشجار ونوابت، كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول, وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول, ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه وحكمته, ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره, الذي تفرد به, وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه, مما يوجب أن يؤله ويعبد, ويفرد بالمحبة والتعظيم, والخوف والرجاء, وبذل الجهد في محابه ومراضيه. ( و ) في ( وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ) وهي السفن والمراكب ونحوها, مما ألهم الله عباده صنعتها, وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية ما أقدرهم عليها. ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح, التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال, والبضائع التي هي من منافع الناس, وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم. فمن الذي ألهمهم صنعتها, وأقدرهم عليها, وخلق لهم من الآلات ما به يعملونها؟ أم من الذي سخر لها البحر, تجري فيه بإذنه وتسخيره, والرياح؟ أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية, النار والمعادن المعينة على حملها, وحمل ما فيها من الأموال؟ فهل هذه الأمور, حصلت اتفاقا, أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز, الذي خرج من بطن أمه, لا علم له ولا قدرة، ثم خلق له ربه القدرة, وعلمه ما يشاء تعليمه، أم المسخر لذلك رب واحد, حكيم عليم, لا يعجزه شيء, ولا يمتنع عليه شيء؟ بل الأشياء قد دانت لربوبيته, واستكانت لعظمته, وخضعت لجبروته. وغاية العبد الضعيف, أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب, التي بها وجدت هذه الأمور العظام, فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه, وذلك يوجب أن تكون المحبة كلها له, والخوف والرجاء, وجميع الطاعة, والذل والتعظيم. ( وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ ) وهو المطر النازل من السحاب. ( فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) فأظهرت من أنواع الأقوات, وأصناف النبات, ما هو من ضرورات الخلائق, التي لا يعيشون بدونها. أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله, وأخرج به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده, وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وضرورتهم إليه من كل وجه؟ أما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم؟ أليس ذلك دليلا على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم؟ ( وَبَثَّ فِيهَا ) أي: في الأرض ( مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة, ما هو دليل على قدرته وعظمته, ووحدانيته وسلطانه العظيم، وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع. فمنها: ما يأكلون من لحمه, ويشربون من دره، ومنها: ما يركبون، ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم, ومنها: ما يعتبر به، ومع أنه بث فيها من كل دابة، فإنه سبحانه هو القائم بأرزاقهم, المتكفل بأقواتهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها, ويعلم مستقرها ومستودعها. وفي ( تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) باردة وحارة, وجنوبا وشمالا, وشرقا ودبورا وبين ذلك، وتارة تثير السحاب, وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره, وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة تكون رحمة, وتارة ترسل بالعذاب. فمن الذي صرفها هذا التصريف, وأودع فيها من منافع العباد, ما لا يستغنون عنه؟ وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات, وتصلح الأبدان والأشجار, والحبوب والنوابت, إلا العزيز الحكيم الرحيم, اللطيف بعباده المستحق لكل ذل وخضوع, ومحبة وإنابة وعبادة؟. وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير, فيسوقه الله إلى حيث شاء، فيحيي به البلاد والعباد, ويروي التلول والوهاد, وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه، فإذا كان يضرهم كثرته, أمسكه عنهم, فينزله رحمة ولطفا, ويصرفه عناية وعطفا، فما أعظم سلطانه, وأغزر إحسانه, وألطف امتنانه" أليس من القبيح بالعباد, أن يتمتعوا برزقه, ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟ أليس ذلك دليلا على حلمه وصبره, وعفوه وصفحه, وعميم لطفه؟ فله الحمد أولا وآخرا, وباطنا وظاهرا. والحاصل, أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات, وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات, وازداد تأمله للصنعة وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة, علم بذلك, أنها خلقت للحق وبالحق, وأنها صحائف آيات, وكتب دلالات, على ما أخبر به الله عن نفسه ووحدانيته, وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر, وأنها مسخرات, ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها. فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون, وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا الله, ولا رب سواه.

ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية ( بتفرده ) بخلق السماوات والأرض وما فيهما ، وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته ، فقال : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) يقول تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض ) تلك في ( لطافتها و ) ارتفاعها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها ، وهذه الأرض في ( كثافتها و ) انخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع ( واختلاف الليل والنهار ) هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه ، لا يتأخر عنه لحظة ، كما قال تعالى : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) ( يس : 40 ) وتارة يطول هذا ويقصر هذا ، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتقارضان ، كما قال تعالى : ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) ( الحج : 61 ) أي : يزيد من هذا في هذا ، ومن هذا في هذا ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) أي : في تسخير البحر لحمل السفن من جانب إلى جانب لمعاش الناس ، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم ، ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى هؤلاء ( وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ) كما قال تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) ( يس : 33 - 36 ) ( وبث فيها من كل دابة ) أي : على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها ، وهو يعلم ذلك كله ويرزقه لا يخفى عليه شيء من ذلك ، كما قال تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) ( هود : 6 ) ( وتصريف الرياح ) أي : تارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب ، تارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب ، وتارة تسوقه ، وتارة تجمعه ، وتارة تفرقه ، وتارة تصرفه ، ( ثم تارة تأتي من الجنوب وهي الشامية ، وتارة تأتي من ناحية اليمن وتارة صبا ، وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة ، وتارة دبور وهي غربية تفد من ناحية دبر الكعبة ، والرياح تسمى كلها بحسب مرورها على الكعبة


وقد صنف الناس في الرياح والمطر والأنواء كتبا كثيرة فيما يتعلق بلغاتها وأحكامها ، وبسط ذلك يطول هاهنا ، والله أعلم )
( والسحاب المسخر بين السماء والأرض ) ( أي : سائر بين السماء والأرض ) يسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن ، كما يصرفه تعالى : ( لآيات لقوم يعقلون ) أي : في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى ، كما قال تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) ( آل عمران : 190 ، 191 )
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أبو سعيد الدشتكي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتت قريش محمدا ﷺ فقالوا : يا محمد إنما نريد أن تدعو ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ، فنشتري به الخيل والسلاح ، فنؤمن بك ونقاتل معك
قال : " أوثقوا لي لئن دعوت ربي فجعل لكم الصفا ذهبا لتؤمنن بي " فأوثقوا له ، فدعا ربه ، فأتاه جبريل فقال : إن ربك قد أعطاهم الصفا ذهبا على أنهم إن لم يؤمنوا بك عذبهم عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين
قال محمد ﷺ : " رب لا ، بل دعني وقومي فلأدعهم يوما بيوم "
فأنزل الله هذه الآية : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) الآية . ورواه ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، به
وزاد في آخره : وكيف يسألونك عن الصفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصفا . وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : نزلت على النبي ﷺ بالمدينة : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) إلى قوله : ( لآيات لقوم يعقلون ) فبهذا يعلمون أنه إله واحد ، وأنه إله كل شيء وخالق كل شيء . وقال وكيع : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى قال : لما نزلت : ( وإلهكم إله واحد ) إلى آخر الآية ، قال المشركون : إن كان هكذا فليأتنا بآية
فأنزل الله عز وجل : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ) إلى قوله : ( يعقلون ) ورواه آدم بن أبي إياس ، عن أبي جعفر هو الرازي عن سعيد بن مسروق ، والد سفيان ، عن أبي الضحى ، به .

القول في المعنى الذي من أجله أنـزل الله على نبيه ﷺ قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ


قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنـزل الله تعالى ذكره هذه الآية على نَبيّه محمد ﷺ.
فقال بعضهم: أنـزلها عليه احتجاجًا له على أهل الشرك به من عبدة الأوثان. وذلك أن الله تعالى ذكره لما أنـزل على نبيه محمد ﷺ: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فتلا ذلك عَلى أصحابه, وسمع به المشركون مِنْ عبدة الأوثان، قال المشركون: وما الحجة والبرهان على أنّ ذلك كذلك؟ ونحن نُنكر ذلك, ونحن نـزعم أنّ لنا آلهة كثيرة؟ فأنـزل الله عند ذلك: " إن في خَلق السموات والأرض "، احتجاجًا لنبيه ﷺ على الذين قالوا مَا ذَكرنَا عَنهم. * ذكر من قال ذلك: 2398- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء, قال: نـزل على النبي ﷺ بالمدينة: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، فقال كفار قريش بمكة: كيف يَسعُ الناسَ إله واحد؟ فأنـزل الله تعالى ذكره: " إنّ في خَلق السموَات والأرض واختلاف الليل والنهار "، إلى قوله: لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، فبهذا تعلمُون أنه إله واحدٌ, وأنه إله كل شيء، وخالق كل شيء.
وقال آخرون: بل نـزلت هذه الآية على النبي ﷺ، من أجل أنّ أهلَ الشرك سألوا رسول الله ﷺ (آية)، (1) فأنـزل الله هذه الآية، يعلمهم فيها أنّ لهم في خَلق السموات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك، آيةً بينةً على وحدانية الله, وأنه لا شريك له في ملكه، لمن عَقل وتدبَّر ذلك بفهم صحيح. * ذكر من قال ذلك: 2399- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبيه, عن أبي الضحى قال: لما نـزلت وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية! فأنـزل الله تعالى ذكره: " إن في خلق السموات والأرض وَاختلاف الليل والنهار "، الآية. 2400- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, قال حدثني سعيد بن مسروق, عن أبي الضحى قال: لما نـزلت: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، قال المشركون: إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية، فأنـزل الله تعالى ذكره: " إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار "، الآية. 2401- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, قال، حدثني سعيد بن مسروق, عن أبي الضحى قال: لما نـزلت هذه الآية، جعل المشركون يعجبون ويقولون: تقول إلهكم إله واحدٌ‍, فلتأتنا بآية إن كنتَ من الصادقين! فأنـزل الله: " إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار "، الآية. 2402- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح أن المشركين قالوا للنبي ﷺ: أرِنا آية! فنـزلت هذه الآية: " إنّ في خلق السموات والأرض ". 2403- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر, عن سعيد قال: سألت قريش اليهودَ فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات! فحدثوهم بالعصَا وبيده البيضاء للناظرين. وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى من الآيات, فأخبروهم أنه كان يُبرئ الأكمهَ والأبرصَ ويُحيي الموتى بإذن الله. فقالت قريش عند ذلك للنبي ﷺ: ادعُ الله أن يجعل لَنا الصفا ذَهبًا، فنـزداد يقينًا, ونتقوَّى به على عدوّنا. فسأل النبي ﷺ ربه, فأوحى إليه: إنّي مُعطيهم, فأجعلُ لهم الصفا ذهبًا, ولكن إن كذَّبوا عذّبتهم عذابًا لم أعذبه أحدًا من العالمين. فقال النبي ﷺ: ذَرني وقَومي فأدعوهم يومًا بيوم. فأنـزل الله عليه: " إنّ في خَلق السموات والأرض "، الآية: إن في ذَلك لآية لهم, إن كانوا إنما يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبًا, فخلق الله السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، أعظمُ من أن أجعل لهم الصفا ذهبًا ليزدادوا يقينًا. 2404- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار "، فقال المشركون للنبي ﷺ: (2) غيِّر لنا الصفا ذهبًا إن كنت صادقًا أنه منه! فقال الله: إنّ في هذه الآيات لآياتٍ لقوم يعقلون. وقال: قد سأل الآيات قومٌ قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك, أنّ الله تعالى ذكره نَبَّه عباده = على الدلالة على وَحدانيته وتفرده بالألوهية، دون كل ما سواه من الأشياء = بهذه الآية. وجائزٌ أن تكون نـزلت فيما قاله عطاء, وجائزٌ أن تكون فيما قاله سعيد بن جبير وأبو الضحى, ولا خبرَ عندنا بتصحيح قول أحد الفريقين يقطع العذرَ، فيجوز أن يقضيَ أحدٌ لأحد الفريقين بصحة قولٍ على الآخر. وأيُّ القولين كان صحيحًا، فالمراد من الآية ما قلت.
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إنّ في خَلق السموات والأرض "، إن في إنشاء السموات والأرض وابتداعهما.
ومعنى " خلق " الله الأشياء: ابتداعه وإيجاده إياها، بعد أن لم تكن موجودة. وقد دللنا فيما مضى على المعنى الذي من أجله قيل: " الأرض "، ولم تجمع كما جُمعت السموات, فأغنى ذلك عن إعادته (3)
فإن قال لنا قائل: وهل للسموات والأرض خلقٌ هو غيرُها فيقال: " إنّ في خلق السموات والأرض "؟ قيل: قد اختلف في ذلك. فقال بعض الناس: لها خَلقٌ هو غيرها. واعتلُّوا في ذلك بهذه الآية, وبالتي في سورة: الكهف: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ (سورة الكهف: 51) وقالوا: لم يخلق الله شيئًا إلا والله له مريدٌ. قالوا: فالأشياء كانت بإرادة الله, والإرادة خلق لها.
وقال آخرون: خلق الشيء صفة له, لا هي هو، ولا غيرُه. قالوا: لو كان غيرُه لوجب أن يكون مثله موصوفًا. قالوا: ولو جاز أن يكون خَلقُه غيرَه، وأن يكون موصوفًا، لوجب أن تكون له صفة هي له خَلق. ولو وجب ذلك كذلك، لم يكن لذلك نهاية. قالوا: فكان معلومًا بذلك أنه صفة للشيء. قالوا: فخلق السموات والأرض صفة لهما، على ما وصفنا. واعتلُّوا أيضًا -بأن للشيء خلقًا ليس هو به- من كتاب الله بنحو الذي اعتلّ به الأولون.
وقال آخرون: خَلق السموات والأرض، وخلق كل مخلوق, هو ذلك الشيء بعينه لا غيره. فمعنى قوله: " إن في خلق السموات والأرض ": إنّ في السموات والأرض. (4)
القول في تأويل قوله تعالى : وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " واختلاف الليل والنهار "، وتعاقب الليل والنهار عليكم أيها الناس.
وإنما " الاختلاف " في هذا الموضع " الافتعال " من " خُلوف " كل واحد منهما الآخر، (5) كما قال تعالى ذكره: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (سورة الفرقان: 62). بمعنى: أن كل واحد منهما يخلف مَكان صاحبه، إذا ذهب الليل جَاء النهارُ بعده, وإذا ذهب النهارُ جاء الليل خلفه. ومن ذلك قيل: " خلف فلانٌ فلانًا في أهله بسوء ", ومنه قول زهير: بِهَــا العِيـنُ وَالآرَامُ يَمْشِـينَ خِلْفَـةً وَأَطْلاؤُهَــا يَنْهَضْــنَ مِــنْ كُــلِّ مَجْـثَم (6)
وأما " الليل ". فإنه جَمْع " ليلة ", نظيرُ" التمر " الذي هو جمع " تمرة ". وقد يجمع " ليالٍ"، فيزيدون في جَمعها ما لم يكن في واحدتها. وزيادتهم " الياء " في ذلك نظير زيادتهم إياها في" ربَاعية وثَمانية وكرَاهية ".
وأما " النهار "، فإنّ العرب لا تكاد تجمعه، لأنه بمنـزلة الضوء. وقد سمع في جَمعه " النُّهُر "، قال الشاعر: لَــوْلا الــثّرِيدانِ هَلَكْنَـا بِـالضُّمُرْ ثَرِيــدُ لَيْـــلٍ وثَرِيــدٌ بِـــالنُّهُرْ (7) ولو قيل في جمع قليله " أنهِرَة " كان قياسًا.
القول في تأويل قوله تعالى : وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: إنّ في الفلك التي تجري في البحر.
و " الفلك " هو السُّفن, واحدُه وجمعه بلفظ واحد, ويذكَّر ويؤنث، كما قال تعالى ذكره في تذكيره في آية أخرى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (سورة يس: 41)، فذكَّره.
وقد قال في هذه الآية: " والفلك التي تجري في البحر "، وهي مُجْراة، لأنها إذا أجريت فهي" الجارية ", فأضيف إليها من الصفة ما هو لها. (8)
وأما قوله: " بما ينفع الناس "، فإن معناه: ينفعُ الناسَ في البحر.
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وما أنـزل اللهُ من السماء من مَاء "، وفيما أنـزلهُ الله من السماء من ماء, وهو المطر الذي يُنـزله الله من السماء. وقوله: " فأحيا به الأرضَ بَعدَ موتها "، وإحياؤها: عمارَتُها، وإخراج نباتها. و " الهاء " التي في" به " عائدة على " الماء " و " الهاء والألف " في قوله: " بعد موتها " على الأرض. و " موت الأرض "، خرابها، ودُثور عمارتها, وانقطاعُ نباتها، الذي هو للعباد أقواتٌ، وللأنام أرزاقٌ.
القول في تأويل قوله تعالى : وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ قال أبو جعفر: بعني تعالى ذكره بقوله: " وبث فيها منْ كلّ دَابة "، وإن فيما بثّ في الأرض من دابة.
ومعنى قوله: " وبَث فيها "، وفرَّقَ فيها, من قول القائل: " بث الأميرُ سراياه "، يعنى: فرَّق. و " الهاء والألف " في قوله: " فيها "، عائدتان على الأَرْضَ .
" والدابة "" الفاعلة "، من قول القائل: " دبَّت الدابة تدبُّ دبيبًا فهي دابة "." والدابة "، اسم لكل ذي رُوح كان غير طائر بجناحيه، لدبيبه على الأرض.
القول في تأويل قوله تعالى : وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وتصريف الرياح "، وفي تصريفه الرياح, فأسقط ذكر الفاعل وأضاف الفعل إلى المفعول, كما تقول: (9) " يعجبني إكرام أخيك ", تريد: إكرامُك أخَاك.
" وتصريف " الله إياها، أنْ يُرسلها مَرَّة لَواقحَ, ومرة يجعلها عَقيما, ويبعثها عذابًا تُدمِّر كل شيء بأمر ربها، كما:- 2405- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " وتصريف الرياح والسحاب المسخر " قال، قادرٌ والله ربُّنا على ذلك, إذا شَاء (جعلها رَحمةً لواقح للسحاب ونشرًا بين يدي رحمته، وإذا شاء) جَعلها عذابًا ريحًا عقيمًا لا تُلقح, إنما هي عَذابٌ على من أرسِلتْ عليه. (10)
وزعم بعض أهل العربية أنّ معنى قوله: " وتصريف الرياح "، أنها تأتي مَرّة جنوبًا وشمالا وقبولا ودَبورًا. ثم قال: وذلك تصريفها. (11) وهذه الصفة التي وَصَفَ الرياح بها، صفة تصرُّفها لا صفة تصريفها, لأن " تصريفها " تصريفُ الله لها," وتصرفها " اختلافُ هُبوبها. وقد يجوز أن يكون معنى قوله: " وتصريف الرياح "، تصريفُ الله تعالى ذكره هبوب الريح باختلاف مَهابِّها.
القول في تأويل قوله تعالى : وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " والسحاب المسخر "، وفي السحاب، جمع " سحابة ". يدل على ذلك قوله تعالى ذكره: وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (سورة الرعد: 12) فوحّد المسخر وذكره, كما قالوا: " هذه تَمرة وهذا تمر كثير ". في جمعه," وهذه نخلة وهذا نخل ". (12) وإنما قيل للسحاب " سحاب " إن شاء الله، لجر بعضه بعضًا وسَحبه إياه, من قول القائل: " مرّ فلان يَجر ذَيله "، يعني: " يسحبه ".
فأما معنى قوله: " لآيات "، فإنه عَلامات ودلالاتٌ على أن خالق ذلك كلِّه ومنشئه، إله واحدٌ. (13)
" لقوم يعقلون "، لمن عَقل مَوَاضع الحجج، وفهم عن الله أدلته على وحدانيته. فأعلم تعالى ذكره عبادَه، بأنّ الأدلة والحجج إنما وُضعت مُعتبَرًا لذوي العقول والتمييز، دون غيرهم من الخلق, إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي, والمكلفين بالطاعة والعبادة, ولهم الثواب، وعليهم العقاب.
فإن قال قائل: وكيف احتج على أهل الكفر بقوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الآية، في توحيد الله؟ وقد علمت أنّ أصنافًا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السموات والأرض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقةً؟ قيل: إنّ إنكار من أنكر ذلك غيرُ دافع أن يكون جميعُ ما ذكرَ تعالى ذكره في هذه الآية، دليلا على خالقه وصانعه, وأنّ له مدبرًا لا يشبهه (شيء), وبارئًا لا مِثْل له. (14) وذلك وإن كان كذلك, فإن الله إنما حَاجَّ بذلك قومًا كانوا مُقرِّين بأنّ الله خالقهم, غير أنهم يُشركون في عبادته عبادة الأصنام والأوثان. (15) فحاجَّهم تعالى ذكره فقال -إذ أنكروا قوله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وزعموا أن له شُركاء من الآلهة-: (إن إلهكم الذي خلق السموات وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما. وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر) (16) وذلك هو معنى قوله: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ - وأنـزل إليكم الغيثَ من السماء, فأخصب به جنابكم بعد جُدوبه, وأمرعه بعد دُثوره, فَنَعَشكم به بعد قُنوطكم (17) -، وذلك هو معنى قوله: وَمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا - وسخَّر لكم الأنعام فيها لكمْ مطاعمُ ومَآكل, ومنها جمالٌ ومراكبُ, ومنها أثاث وملابس - وذلك هو معنى قوله: وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ - وأرْسل لكم الرياح لواقح لأشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم، وسيَّر لكم السحاب الذي بَودْقِه حَياتكم وحياة نعمكم ومواشيكم - وذلك هو معنى قوله: " وتصريف الرياح والسحاب المسخَّر بين السماء والأرض ". فأخبرهم أنّ إلههم هو الله الذي أنعمَ عليهم بهذه النعم, وتفرَّد لهم بها. ثم قال: هل من شُركائكم مَن يفعل مِنْ ذلكم من شيء، فتشركوه في عبادتكم إياي, وتجعلوه لي نِدًّا وعِدلا؟ فإن لم يكن من شُركائكم مَنْ يفعل مِنْ ذلكم مِن شيء, ففي الذي عَددت عليكم من نعمتي، وتفردت لكم بأياديّ، دلالاتٌ لكم إن كنتم تَعقلون مواقعَ الحق والباطل، والجور والإنصاف. وذلك أنّى لكم بالإحسان إليكم متفرِّد دون غيري, وأنتم تجعلون لي في عبادتكم إياي أندادًا. فهذا هو معنى الآية.
والذين ذُكِّروا بهذه الآية واحتج عليهم بها، هم القوم الذين وصفتُ صفتهم، دون المعطِّلة والدُّهْرية، وإن كان في أصغر ما عدَّ الله في هذه الآية، من الحجج البالغة, المَقْنَعُ لجميع الأنام، تركنا البيان عنه، كراهة إطالة الكتاب بذكره. ----------------- الهوامش : (1) الزيادة بين القوسين لا يتم الكلام إلا بها ، ويدل عليها ما سيأتي في الآثار بعد . (2) في المطبوعة : "فقال المشركون للنبي . . . " ، والصواب طرح هذه الفاء . (3) انظر ما سلف 1 : 431-437 . (4) لم يتبع أبو جعفر في هذا الموضع ما درج عليه من ترجيح القول الذي يختاره . وهذا مما يدل على ما ذهبنا إليه ، أنه كان يختصر كلامه أحيانًا ، مخافة الإطالة . هذا إذا لم يكن في المخطوطات خرم أو اختصار من ناسخ أو كاتب . (5) "خلوف" مصدر"خلف" ، ولم أجده في كتب اللغة ، ولكنه عربي معرق في قياسه . (6) ديوانه : من معلقته العتيقة . والهاء في"بها" إلى"ديار أم أوفى" صاحبته . والعين جمع عيناء : وهي بقر الوحش ، واسعة العيون جميلتها . والآرام جمع رئم : وهي الظباء الخوالص البياض ، تسكن الرمل . "خلفة" إذا جاء منها فوج ذهب آخر يخلفه مكانه . يصف مجيئها وذهوبها في براح هذه الرملة . والأطلاء جمع طلا : وهو ولد البقرة والظبية الصغير . ويصف الصغار من أولاد البقر والظباء في هذه الرملة ، وقد نهض هذا وذاك منها من موضع جثومه . يصف اختلاف الحركة في هذه الفقرة المهجورة التي فارقتها أم أوفى ، وقد وقف بها من بعد عشرين حجة - ، كما ذكر . (7) تهذيب الألفاظ : 422 ، والمخصص 9 : 51 ، واللسان (نهر) ، والأزمنة والأمكنة 1 : 77 ، 155 وغيرها . ورواية اللسان والمخصص"لمتنا بالضمر" . والضمر (بضم الميم وسكونها) مثل العسر والعسر : الهزال ولحاق البطن من الجوع وغيره . والثريد : خبز يهشم ويبل بماء القدر ويغمس فيه حتى يلين . (8) انظر ما سلف 1 : 196 . (9) في المطبوعة : "كما قال : يعجبني . . يريد" ، والصواب ما أثبت . (10) الزيادة بين القوسين من نص الدر المنثور 1 : 164 ، من نص تفسير قتادة الذي أخرجه الطبري . (11) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 97 . (12) في المطبوعة : "كما قال : هذه ثمرة . . . " ، والصواب ما أثبته . (13) انظر معنى"آية" فيما سلف 1 : 106 ، وفهارس اللغة . وقد ترك الطبري تفسيره"المسخر" ، وكأن في الأصول اختصارًا من ناسخ أو كاتب ، إن لم يكن من الطبري نفسه ، كما أشرت إليه فيما مضى . (14) الزيادة بين القوسين لا بد منها هنا . (15) انظر ما سلف في 1 : 371 ، والرد على من ظن أن العرب كانت غير مقرة بالوحدانية . (16) هذه الجملة قد سقط منها شيء كثير ، فاختلت واضطربت ، وكأن صوابها ما يأتي : (إنّ إلهكم الذي خلق لَكم السَّموَات والأرض ، فخلق الأرض وقَدّر لكم فيها أرزاقكم وأقواتكم ، وخلق السَّمَوات وأجرى فيها الشمس والقمر دائبين في سيرهما - وذلك هو معنى : (واختلاف الليل والنهار) -وخلق الرياح التي تسوق السفن التي تحملكم فتجريها في البحر لتبتغوا من فضله) - (17) أمرع الأرض : صيرها خصبة بعد الجدب . والدثور : الدروس ، يريد خرابها وانمحاء آثار عمارتها من النبات وغيره . وكان في المطبوعة : "فينعثكم" ، والصواب ما أثبت . ونعشه الله ينعشه : رفعه وتداركه برحمته .

الآية 164 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (164) - Surat Al-Baqarah

Indeed, in the creation of the heavens and earth, and the alternation of the night and the day, and the [great] ships which sail through the sea with that which benefits people, and what Allah has sent down from the heavens of rain, giving life thereby to the earth after its lifelessness and dispersing therein every [kind of] moving creature, and [His] directing of the winds and the clouds controlled between the heaven and the earth are signs for a people who use reason

الآية 164 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (164) - Сура Al-Baqarah

Воистину, в сотворении небес и земли, в смене ночи и дня, в кораблях, которые плывут по морю с тем, что приносит пользу людям, в воде, которую Аллах ниспослал с неба и посредством которой Он оживил мертвую землю и расселил на ней всевозможных животных, в смене ветров, в облаке, подчиненном между небом и землей, заключены знамения для людей разумеющих

الآية 164 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (164) - سوره البَقَرَة

(اِس حقیقت کو پہچاننے کے لیے اگر کوئی نشانی اور علامت درکا رہے تو) جو لوگ عقل سے کام لیتے ہیں اُن کے لیے آسمانوں اور زمین کی ساخت میں، رات اور دن کے پیہم ایک دوسرے کے بعد آنے میں، اُن کشتیوں میں جوا نسان کے نفع کی چیزیں لیے ہوئے دریاؤں اور سمندروں میں چلتی پھرتی ہیں، بارش کے اُس پانی میں جسے اللہ اوپر سے برساتا ہے پھر اس کے ذریعے سے زمین کو زندگی بخشتا ہے اور اپنے اِسی انتظام کی بدولت زمین میں ہر قسم کی جان دار مخلوق پھیلاتا ہے، ہواؤں کی گردش میں، اور اُن بادلوں میں جو آسمان اور زمین کے درمیان تابع فرمان بنا کر رکھے گئے ہیں، بے شمار نشانیاں ہیں

الآية 164 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (164) - Ayet البَقَرَة

Göklerin ve yerin yaratılmasında, gece ile gündüzün birbiri ardınca gelmesinde, insanlara yararlı şeylerle denizde süzülen gemilerde, Allah'ın gökten indirip yeri ölümünden sonra dirilttiği suda, her türlü canlıyı orada yaymasında, rüzgarları ve yerle gök arasında emre amade duran bulutları döndürmesinde, düşünen kimseler için deliller vardır