مشاركة ونشر

تفسير الآية الخامسة والثمانين (٨٥) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية الخامسة والثمانين من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ﴿٨٥

الأستماع الى الآية الخامسة والثمانين من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 85 من سورة البَقَرَة

(ثُمَّ) حرف عطف. (أَنْتُمْ) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. (هؤُلاءِ) اسم إشارة في محل نصب على النداء بياء النداء المحذوفة. (تَقْتُلُونَ) فعل مضارع وفاعل. (أَنْفُسَكُمْ) مفعول به والجملة خبر المبتدأ ومثلها جملة (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا) معطوفة على سابقتها. (مِنْكُمْ) متعلقان بفريق أو بصفة له. (مِنْ دِيارِهِمْ) متعلقان بالفعل تخرجون. (تَظاهَرُونَ) فعل مضارع وفاعل. (عَلَيْهِمْ) متعلقان بتظاهرون والجملة في محل نصب حال. (بِالْإِثْمِ) متعلقان بمحذوف حال والمعنى تظاهرون عليهم حال كونهم متلبسين بالإثم. (وَالْعُدْوانِ) اسم معطوف على الإثم. (وَإِنْ) الواو استئنافية، إن شرطية. (يَأْتُوكُمْ) فعل مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل والكاف مفعول به. (أُسارى) حال منصوبة والجملة مستأنفة. (تُفادُوهُمْ) فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه جواب الشرط. (وَهُوَ) الواو حالية هو مبتدأ. (مُحَرَّمٌ) خبر. (عَلَيْكُمْ) جار ومجرور متعلقان بمحرم. والجملة الاسمية حالية. (إِخْراجُهُمْ) نائب فاعل لاسم المفعول محرم ويجوز إعراب هو مبتدأ ومحرم خبر مقدم وإخراجهم مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر. (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) معطوفة على جملة محذوفة التقدير أتفعلون ذلك فتؤمنون. (فَما) الفاء استئنافية، ما نافية. (جَزاءُ) مبتدأ مرفوع. (مِنْ) اسم موصول في محل جر بالإضافة. (يَفْعَلُ) فعل مضارع والفاعل هو. (ذلِكَ) اسم إشارة في محل نصب مفعول به. (مِنْكُمْ) متعلقان بمحذوف حال أي حال كونه منكم. والجملة صلة الموصول لا محل لها. (إِلَّا) أداة حصر. (خِزْيٌ) خبر جزاء والجملة مستأنفة. (فِي الْحَياةِ) متعلقان بخزي. (الدُّنْيا) صفة للحياة. (وَيَوْمَ) الواو استئنافية، يوم مفعول فيه متعلق بيردون. (الْقِيامَةِ) مضاف إليه. (يُرَدُّونَ) الجملة مستأنفة. (إِلى أَشَدِّ) متعلقان بيردون. (الْعَذابِ) مضاف إليه. (وَمَا) الواو استئنافية، ما الحجازية تعمل عمل ليس. (اللَّهُ) لفظ الجلالة اسمها. (بِغافِلٍ) الباء حرف جر زائد، غافل اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. (عَمَّا) ما اسم موصول في محل جر بحرف الجر متعلقان بتعلمون. والجملة مستأنفة وجملة (تَعْمَلُونَ) صلة الموصول.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (85) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (13) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (1)

مواضيع مرتبطة بالآية (11 موضع) :

الآية 85 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ﴿٨٥

تفسير الآية 85 من سورة البَقَرَة

ثم أنتم يا هؤلاء يقتل بعضكم بعضًا، ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم، ويَتَقَوَّى كل فريق منكم على إخوانه بالأعداء بغيًا وعدوانًا. وأن يأتوكم أسارى في يد الأعداء سعيتم في تحريرهم من الأسر، بدفع الفدية، مع أنه محرم عليكم إخراجهم من ديارهم. ما أقبح ما تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا ذُلا وفضيحة في الدنيا. ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أفظع العذاب في النار. وما الله بغافل عما تعملون.

(ثم أنتم) يا (هؤلاء تقتلون أنفسكم) بقتل بعضكم بعضا (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تَظَّاهَرُونَ) فيه إدغام التاء في الأصل في الظاء، وفي قراءة بالتخفيف على حذفها تتعاونون (عليهم بالإثم) بالمعصية (والعدوان) الظلم (وإن يأتوكم أسارى) وفي قراءة أسرى (تَفْدُوهُمْ) وفي قراءة (تُفَادُوهُمْ) تنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم (وهو) أي الشأن (محرَّم عليكم إخراجهم) متصل بقوله وتخرجون والجملة بينهما اعتراض: أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظةُ حالفوا الأوسَ، والنضيرُ الخزرجَ فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم، وكانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا أمرنا بالفداء فيقال فَلِمَ تقاتلونهم؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا. قال تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب) وهو الفداء (وتكفرون ببعض) وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ) هوان وذلّ (في الحياة الدنيا) وقد خزوا بقتل قريظة ونفي النضير إلى الشام وضرب الجزية (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافلِ عما يعملون) بالياء والتاء.

وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي ﷺ مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة. فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا. والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض, ولا يخرج بعضهم بعضا، وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين, فأنكر الله عليهم ذلك فقال: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ ) وهو فداء الأسير ( وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) وهو القتل والإخراج. وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: ( فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى. ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) أي: أعظمه ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب, والإيمان ببعضه فقال: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ) توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار, فاختاروا النار على العار، فلهذا قال: ( فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ) بل هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات، ( وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) أي: يدفع عنهم مكروه

( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم ) قال محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) الآية ، قال : أنبهم الله من فعلهم ، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم بنو قينقاع وإنهم حلفاء الخزرج ، والنضير ، وقريظة وإنهم حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم


والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم ، تصديقا لما في التوراة ، وأخذا به ; بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم
يقول الله تعالى ذكره حيث أنبهم بذلك : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) أي : يفاديه بحكم التوراة ويقتله ، وفي حكم التوراة ألا يفعل ، ولا يخرج من داره ، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عرض الدنيا
ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة . وقال أسباط عن السدي : كانت قريظة حلفاء الأوس ، وكانت النضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سمير ، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءهم ، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ، ويغلبونهم ، فيخربون ديارهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى يفدوه
فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم ، قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا
فذلك حين عيرهم الله ، فقال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ) وقال شعبة ، عن السدي : نزلت هذه الآية في قيس بن الخطيم : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) وقال أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير ، قال : غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهلي بلنجر فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة ، فلما مر برأس الجالوت نزل به ، فقال له عبد الله : يا رأس الجالوت ، هل لك في عجوز هاهنا من أهل دينك ، تشتريها مني ؟ قال : نعم
قال : أخذتها بسبعمائة درهم
قال : فإني أربحك سبعمائة أخرى
قال : فإني قد حلفت ألا أنقصها من أربعة آلاف
قال : لا حاجة لي فيها ، قال : والله لتشترينها مني ، أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه
قال : ادن مني ، فدنا منه ، فقرأ في أذنه التي في التوراة : إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم ) قال : أنت عبد الله بن سلام ؟ قال : نعم
قال : فجاء بأربعة آلاف ، فأخذ عبد الله ألفين ، ورد عليه ألفين . وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره : حدثنا أبو جعفر يعني الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، أخبرنا أبو العالية : أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليها العرب ، ولا يفادي من وقع عليها العرب ، فقال عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن . والذي أرشدت إليه الآية الكريمة ، وهذا السياق ، ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ، ومخالفة شرعها ، مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة ، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ، ولا يصدقون فيما يكتمونه من صفة رسول الله ﷺ ونعته ، ومبعثه ومخرجه ، ومهاجره ، وغير ذلك من شئونه ، التي قد أخبرت بها الأنبياء قبله
واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ، ولهذا قال تعالى ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ) أي : بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) جزاء على ما كتموه من كتاب الله الذي بأيديهم ( وما الله بغافل عما تعملون)

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ قال أبو جعفر: ويتجه في قوله: (ثم أنتم هؤلاء) وجهان. أحدهما أن يكون أريد به: ثم أنتم يا هؤلاء, فترك " يا " استغناء بدلالة الكلام عليه, كما قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ( يوسف: 29)، وتأويله: يا يوسف أعرض عن هذا. فيكون معنى الكلام حينئذ: ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم: لا تسفكون دماءكم، ولا تخرجون أنفسكم من دياركم, ثم أقررتم = بعد شهادتكم على أنفسكم = (8) بأن ذلك حق لي عليكم، لازم لكم الوفاء لي به - تقتلون أنفسكم، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم، متعاونين عليهم، في إخراجكم إياهم، بالإثم والعدوان. (9)


والتعاون هو " التظاهر ". وإنما قيل للتعاون " التظاهر ", (10) لتقوية بعضهم ظهر بعض. فهو " تفاعل " من " الظهر ", وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم. فيرجع إلى الخبر عن " أنتم ". وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم " بهؤلاء ", كما تقول العرب: " أنا ذا أقوم, وأنا هذا أجلس ", (11) وإذْ قيل: " أنا هذا أجلس " كان صحيحا جائزا كذلك: أنت ذاك تقوم ". وقد زعم بعض البصريين أن قوله " هؤلاء " في قوله: (ثم أنتم هؤلاء)، تنبيه وتوكيد لـ " أنتم ". وزعم أن " أنتم " وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين, فإنما جاز أن يؤكدوا بـ " هؤلاء " و " أولاء ", (12) لأنها كناية عن المخاطبين, كما قال خفاف بن ندبة: أقـول لـه والـرمح يَـأطر متنـه : تبيــن خُفافــا إننــي أنـا ذلكـا (13) يريد: أنا هذا، وكما قال جل ثناؤه: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ( يونس: 22)
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية، نحو اختلافهم فيمن عَني بقوله: وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ . * ذكر اختلاف المختلفين في ذلك: 1471 - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) إلى أهل الشرك، (14) حتى تسفكوا دماءهم معهم, وتخرجوهم من ديارهم معهم. (15) قال: أنبهم الله (على ذلك) من فعلهم, (16) وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم, وافترض عليهم فيها فداء أسراهم، فكانوا فريقين: طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة حلفاء الأوس. فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج, وخرجت النضير وقريظة مع الأوس, يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم، وبأيديهم التوراة، يعرفون منها ما عليهم وما لهم. والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان، (17) لا يعرفون جنة ولا نارا, ولا بعثا ولا قيامة, ولا كتابا, ولا حراما ولا حلالا فإذا وضعت الحرب أوزارها، افتدوا أسراهم, تصديقا لما في التوراة، وأخذا به، بعضهم من بعض. يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس, وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم, ويطلون ما أصابوا من الدماء، (18) وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، (19) مظاهرة لأهل الشرك عليهم. يقول الله تعالى ذكره، حين أنبهم بذلك: (20) أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ، أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه - وفي حكم التوراة أن لا يقتل، ولا يخرج من داره، (21) ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه - ابتغاء عرض من عرض الدنيا. ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج -فيما بلغني- نـزلت هذه القصة. (22) 1472 - وحدثني موسى بن هارون قال، حدثني عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ قال: إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة: أن لا يقتل بعضهم بعضا, وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه، فأعتقوه. (23) فكانت قريظة حلفاء الأوس, والنضير حلفاء الخزرج, فكانوا يقتتلون في حرب سُمير. (24) فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها، النضير وحلفاءها. وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، فيغلبونهم, فيخربون بيوتهم، ويخرجونهم منها. فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما، جمعوا له حتى يفدوه, فتعيرهم العرب بذلك, ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم. قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا. فذلك حين عيرهم جل وعز فقال: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان). 1473 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كانت قريظة والنضير أخوين, وكانوا بهذه المثابة, (25) وكان الكتاب بأيديهم. وكانت الأوس والخزرج أخوين فافترقا, وافترقت قريظة والنضير, فكانت النضير مع الخزرج, وكانت قريظة مع الأوس، فاقتتلوا. وكان بعضهم يقتل بعضا, فقال الله جل ثناؤه: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) الآية.
وقال آخرون بما:- 1474 - حدثني به المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قال: كان في بني إسرائيل: إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم. وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم.
قال أبو جعفر: وأما " العدوان " فهو " الفعلان " من " التعدي", يقال منه: " عدا فلان في كذا عدوا وعدوانا, واعتدى يعتدي اعتداء ", وذلك إذا جاوز حده ظلما وبغيا.
وقد اختلف الْقَرَأَة في قراءة: (تظاهرون) . (26) فقرأها بعضهم: " تظاهرون " على مثال " تفاعلون " فحذف التاء الزائدة وهي التاء الآخرة. وقرأها آخرون: (تظَّاهرون), فشدد، بتأويل: (تتظاهرون), غير أنهم أدغموا التاء الثانية في الظاء، لتقارب مخرجيهما، فصيروهما ظاء مشددة. وهاتان القراءتان، وإن اختلفت ألفاظهما، فإنهما متفقتا المعنى. فسواء بأي ذلك قرأ القارئ، لأنهما جميعا لغتان معروفتان، وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحد، ليس في إحداهما معنى تستحق به اختيارها على الأخرى، إلا أن يختار مختار " تظاهرون " المشددة طلبا منه تتمة الكلمة.
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) اليهود. يوبخهم بذلك, ويعرفهم به قبيح أفعالهم التي كانوا يفعلونها، فقال لهم: ثم أنتم - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم: أن لا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم - تقتلون أنفسكم = يعني به: يقتل بعضكم بعضا = وأنتم، مع قتلكم من تقتلون منكم، إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم، تفدونه، (27) ويخرج بعضكم بعضا من دياره. وقتلكم إياهم وإخراجكموهم من ديارهم، حرام عليكم، وتركهم أسرى في أيدي عدوكم (حرام عليكم), (28) فكيف تستجيزون قتلهم، ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم، وتستجيزون قتلهم؟ وهما جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم - سواء. (29) لأن الذي حرمت عليكم من قتلهم وإخراجهم من دورهم، نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب - الذي فرضت عليكم فيه فرائضي، وبينت لكم فيه حدودي، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي - فتصدقون به, فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم; وتكفرون ببعضه، فتجحدونه، فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم, وتخرجونهم من ديارهم؟ وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي وميثاقي؟ كما:- 1475 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تَفْدُوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، (أفتؤمنون ببعض الكتاب فادين، وتكفرون ببعض قاتلين ومخرجين)؟ (30) والله إن فداءهم لإيمان، وإن إخراجهم لكفر. فكانوا يخرجونهم من ديارهم, وإذا رأوهم أسارى في أيدي عدوهم أفتكوهم. 1476 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة, عن ابن عباس: (وإن يأتوكم أسارى تَفْدوهم)، قد علمتم أن ذلكم عليكم في دينكم,(وهو محرم عليكم) في كتابكم (إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، أتفادونهم مؤمنين بذلك, وتخرجونهم كفرا بذلك. 1477 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم) يقول: إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك؟ 1478 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر قال، قال أبو جعفر: كان قتادة يقول في قوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، فكان إخراجهم كفرا، وفداؤهم إيمانا. 1479 - حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ الآية, قال: كان في بني إسرائيل: إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم, وقد أخذ عليهم الميثاق: أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم, وأخذ عليهم الميثاق: إن أسر بعضهم أن يفادوهم. فأخرجوهم من ديارهم، ثم فادوهم، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض. آمنوا بالفداء ففدوا, وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا. 1480 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر قال، حدثنا الربيع بن أنس قال، أخبرني أبو العالية: أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب, فقال له عبد الله بن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك: أن فادوهن كلهن. 1481 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، قال: كفرهم القتل والإخراج, وإيمانهم الفداء. قال ابن جريج: يقول: إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم، وأما إذا أسروا تفدونهم؟ (31) وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في قصة بني إسرائيل: إن بني إسرائيل قد مضوا، وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث.
قال أبو جعفر: واختلف الْقَرَأَة (32) في قراءة قوله: (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم). فقرأه بعضهم: (أسرى تَفْدوهم), وبعضهم: (أُسارى تُفادوهم), وبعضهم (أُسارى تَفدوهم), وبعضهم: (أسرى تفادوهم).
قال أبو جعفر: فمن قرأ ذلك: (وإن يأتوكم أسرى), فإنه أراد جمع " الأسير ", إذ كان على " فعيل "، على مثال جمع أسماء ذوي العاهات التي يأتي واحدها على تقدير " فعيل ", إذ كان " الأسر " شبيه المعنى - في الأذى والمكروه الداخل على الأسير - ببعض معاني العاهات، وألحق جمع المستلحق به بجمع ما وصفنا, فقيل: أسير وأسرى ", كما قيل: " مريض ومرضى، وكسير وكَسرى, وجريح وجرحى ".
وقال أبو جعفر: وأما الذين قرءوا ذلك: (أُسارى)، فإنهم أخرجوه على مخرج جمع " فَعلان "، إذ كان جمع " فَعلان " الذي له " فَعلى " قد يشارك جمع " فعيل " كما قالوا: " سَكارى وسَكرى، وكَسالى وكَسلى "، فشبهوا " أسيرا " - وجمعوه مرة " أسارى "، وأخرى " أسرى " - بذلك .
وكان بعضهم يزعم أن معنى " الأسرى " مخالف معنى " الأسارى ", ويزعم أن معنى " الأسرى " استئسار القوم بغير أسر من المستأسِر لهم, وأن معنى " الأسارى " معنى مصير القوم المأسورين في أيدي الآسرين بأسرهم وأخذهم قهرا وغلبة. قال أبو جعفر: وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحد من العرب. ولكن ذلك على ما وصفت من جمع " الأسير " مرة على " فَعلى " لما بينت من العلة, ومرة على " فُعالى "، لما ذكرت: من تشبيههم جمعه بجمع " سكران وكسلان " وما أشبه ذلك.
وأولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأ (وإن يأتوكم أسرى)، لأن " فعالى " في جمع " فعيل " غير مستفيض في كلام العرب، فإذ كان ذلك غير مستفيض في كلامهم, وكان مستفيضا فاشيا فيهم جمع ما كان من الصفات - التي بمعنى الآلام والزمانة - وواحده على تقدير " فعيل "، على " فعلى "، كالذي وصفنا قبل, وكان أحد ذلك " الأسير "، كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله، فيجمع جمعها دون غيرها ممن خالفها.
وأما من قرأ: (تفادوهم)، فإنه أراد: أنكم تفدونهم من أسرهم, ويفدي منكم - الذين أسروهم ففادوكم بهم - أسراكم منهم.
وأما من قرأ ذلك (تفدوهم)، فإنه أراد: إنكم يا معشر اليهود، إن أتاكم الذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم. وهذه القراءة أعجب إلي من الأولى - أعني: (أسرى تفادوهم) - (33) لأن الذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكل حال، فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم.
وأما قوله: (وهو محرم عليكم إخراجهم)، فإن في قوله: (وهو) وجهين من التأويل. أحدهما: أن يكون كناية عن الإخراج الذي تقدم ذكره. كأنه قال: وتخرجون فريقا منكم من ديارهم, وإخراجهم محرم عليكم. ثم كرر " الإخراج " الذي بعد " وهو محرم عليكم " تكريرا على " هو ", لما حال بين " الإخراج " و " هو " كلام. والتأويل الثاني: أن يكون عمادا، لمّا كانت " الواو " التي مع " هو " تقتضي اسما يليها دون الفعل. (34) فلما قدم الفعل قبل الاسم - الذي تقتضيه " الواو " أن يليها - أُولِيَتْ " هو "، لأنه اسم, كما تقول: " أتيتك وهو قائم أبوك ", بمعنى: " وأبوك قائم ", إذ كانت " الواو " تقتضي اسما، فعمدت بـ " هو ", إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام. (35) كما قال الشاعر: فــأبلغ أبــا يحـيى إذا مـا لقيتـه عـلى العيس فـي آباطهـا عَرَق يَبْسُ (36) بـــأن السُّلامِيَّ الــذي بِضَــرِيَّة أمـيرَ الحـمى, قد باع حَقِّي بني عبسِ (37) بثــوب ودينــار وشــاة ودرهـم فهـل هـو مرفـوع بمـا ههنـا رَأْسُ (38) فأوليت " هل "" هو " لطلبها الاسم العماد. (39)
القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم): فليس لمن قتل منكم قتيلا = فكفر بقتله إياه، بنقض عهد الله الذي حكم به عليه في التوراة - وأخرج منكم فريقا من ديارهم مظاهرا عليهم أعداءهم من أهل الشرك ظلما وعدوانا وخلافا لما أمره الله به في كتابه الذي أنـزله إلى موسى = جزاء - يعني" بالجزاء ": الثواب، وهو العوض مما فعل من ذلك والأجر عليه - (40) إلا خزي في الحياة الدنيا. و " الخزي": الذل والصغار, يقال منه: " خزي الرجل يخزى خزيا "، (في الحياة الدنيا)، يعني: في عاجل الدنيا قبل الآخرة.
ثم اختلف في الخزي الذي أخزاهم الله بما سلف من معصيتهم إياه. فقال بعضهم: ذلك هو حكم الله الذي أنـزله إلى نبيه محمد ﷺ: من أخذ القاتل بمن قتل، والقود به قصاصا, والانتقام للمظلوم من الظالم.
وقال آخرون: بل ذلك، هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم، ذلة لهم وصغارا.
وقال آخرون: بل ذلك الخزي الذي جوزوا به في الدنيا: إخراج رسول الله ﷺ النضير من ديارهم لأول الحشر, وقتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريهم، فكان ذلك خزيا في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب): ويوم تقوم الساعة يرد من يفعل ذلك منكم - بعد الخزي الذي يحل به في الدنيا جزاء على معصية الله - إلى أشد العذاب الذي أعد الله لأعدائه.
وقد قال بعضهم: معنى ذلك: ويوم القيامة يردون إلى أشد من عذاب الدنيا. (41) ولا معنى لقول قائل ذلك. (42) ذلك بأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنهم يردون إلى أشد معاني العذاب، ولذلك أدخل فيه " الألف واللام ", لأنه عنى به جنس العذاب كله، دون نوع منه.
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) قال أبو جعفر: اختلف الْقَرَأَة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: (وما الله بغافل عما يعملون) بـ " الياء "، على وجه الإخبار عنهم, فكأنهم نحوا بقراءتهم معنى: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون)، يعني: عما يعمله الذين أخبر الله عنهم أنه ليس لهم جزاء على فعلهم إلا الخزي في الحياة الدنيا, ومرجعهم في الآخرة إلى أشد العذاب.
وقرأه آخرون: (وما الله بغافل عما تعملون) بـ " التاء " على وجه المخاطبة. قال: فكأنهم نحوا بقراءتهم: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ . وما الله بغافل، يا معشر اليهود، عما تعملون أنتم.
وأعجب القراءتين إلي قراءة من قرأ بـ " الياء "، اتباعا لقوله: فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ ، ولقوله: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ . لأن قوله: (وما الله بغافل عما يعملون) إلى ذلك، أقرب منه إلى قوله: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ، فاتباعه الأقرب إليه، أولى من إلحاقه بالأبعد منه. والوجه الآخر غير بعيد من الصواب.
وتأويل قوله: " وما الله بغافل عما يعملون " ، (43) وما الله بساه عن أعمالهم الخبيثة, بل هو محص لها وحافظها عليهم حتى يجازيهم بها في الآخرة، ويخزيهم في الدنيا، فيذلهم ويفضحهم. (44) ----------------- الهوامش : (8) في المطبوعة : "ثم أقررتم وبعد شهادتكم . . " والواو لا مكان لها هنا . (9) في المطبوعة"متعاونين عليه في إخراجكم . . " ، وهذا سهو . (10) في المطبوعة : " وإنما قيل التعاون التظاهر . . " وهذا لا شيء . (11) في المطبوعة : "ولوقيل . أنا هذا أجلس" . والصواب ما أثبت . (12) في المطبوعة : "وأولى" ، وهو خطأ . ويعني قوله تعالى في سورة آل عمران : 119 : "ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم" ، وقوله تعالى في سورة طه : 84 : " قال هم أولاء على أثرى" . (13) مضى تخريجه فيما سلف 1 : 227 . (14) في تفسير ابن كثير 1 : 223 ، والدر المنثور 1 : 86 : "أي أهل الشرك" ، والصواب ما في الطبري ، وقوله : "إلى أهل الشرك" ، أي تخرجون فريقا منكم - إلى أهل الشرك . (15) في المطبوعة : "فقال أنبهم" ، والأجود حذفها . (16) ما بين القوسين زيادة لا بد منها . وأما ابن كثير في تفسيره 1 : 223 فكتب : "أنبأهم الله بذلك من فعلهم" ، وهو تحريف . (17) في المطبوعة : "أهل الشرك" ، والصواب في سيرة ابن هشام 2 : 188 ، وابن كثير 1 : 224 . (18) طل دمه وأطله : أهدره وأبطله . (19) في المطبوعة : "وقتلوا من قتلوا . . " ، والصواب من ابن هشام 2 : 189 . (20) في المطبوعة : "أنباهم بذلك" ، والصواب ما أثبت من سيرة ابن هشام 2 : 189 ، وسترى ذلك في تفسير الآية نفسها بعد . (21) في المطبوعة : "من ذلك" ، وهو محض خطأ . (22) هذه الجملة الأخيرة من كلام ابن إسحاق ، لا من كلام ابن عباس . (23) في المطبوعة : "بما قدم يمينه فأعتقوه" . وهو كلام من السقم بمكان . يقال : قامت الأمة مئة دينار ، أي بلغت قيمتها مئة دينار . ويقال : كم قامت أمتك؟ أي كم بلغت؟ ووجدتها في تفسير البغوي على الصواب : "بما قام من ثمنه" 1 : 224 (بهامش تفسير ابن كثير) . (24) حرب سُمير . كانت في الجاهلية بين الأوس والخزرج . وسُمير رجل من بني عمرو بن عوف . وانظر خبر هذه الحرب في الأغاني 3 : 18 : 26 . (25) المثابة : يعني المدينة رسول الله ﷺ . والمثابة المنزل ، لأن أهله يتصرفون في أمورهم ثم يثوبون إليه ، يرجعون إليه . وقال الله تعالى : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" (26) في المطبوعة : "وقد اختلف القراء" ، ورددتها إلى منهج الطبري . (27) في المطبوعة : "تفدوهم" ، خطأ . (28) الزيادة بين القوسين لا معدى عنها لاستقامة الكلام . (29) في المطبوعة : "وهم جميعا" ، والصواب ما أثبت . (30) كان في المطبوعة : " . . وتكفرون ببعض فادين والله إن فداء لإيمان" ، وهو كلام مضطرب فزدت ما بين القوسين استظهارا ، حتى يستقيم الكلام . (31) في المطبوعة : "تفدوهم" ، خطأ . (32) في المطبوعة : "واختلف القراء" ، ورددته إلى نهج أبي جعفر . (33) في المطبوعة : "أسرى تفدوهم" ، وهو غير الصواب ، فيما اختاره أبو جعفر من القراءة . (34) العماد ، هو ما اصطلح عليه البصريون بقولهم : "ضمير الفصل" ، ويسمى أيضًا : "دعامة" ، "صفة" . وأراد بقوله : "الفعل" هنا : المشتق الذي يعمل فيما بعده عمل الفعل . وسيتبين مراده في العبارات الآتية . (35) قد استوفى هذا كله الفراء في معاني القرآن 1 : 50 - 52 . (36) سيأتي الشطر الثاني من البيت الأخير في 11: 34، 17: 73 ولم أجد الشعر في غير معاني القرآن للفراء 1: 52، ولم أعرف قائله. والعيس: إبل بيض يخالطها شقرة يسيرة، وهي من كرائم الإبل. ويبس يابس. قد يبس العرق في آباطها من طول الرحلة. (37) السلامي : يعني رجلا كان - فيما أرجح - مصدقا وعاملا على الزكاة ، وأميرا على حمى ضرية ، ولست أعرف نسبته ، أهي قبيلة أم إلى بلد . وحمى ضرية : في نجد ، على طريق البصرة إلى مكة ، وهي إلى مكة أقرب ، وهي أرض طيبة مذكورة في شعرهم . وفي البيت إقواء . (38) سيأتي الشطر الثاني بعد قليل : 374 قوله : "بثوب" ، متعلق بقوله آنفًا "باع" . يقول : أخذ هذه الرشى التي عددها من بني عبس ، فأسلم إليهم حقي . وقوله : "فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس" يقوله لأبي يحيى الذي ذكره ، ويقول : فهل نجد ناصرا ينصرنا وياخذ لناحقنا ، فنرفع رؤوسنا بعد ما نزل بنا من الضيم . وهذه كلمة يقولونها في مثل ذلك . قال الراعي (طبقات فحول الشعراء : 442) : فــإن رفعـت بهـم رأسـا نَعَشْـتُهم وإن لَقُـوا مثلهـا فـي قـابل فسـدوا وقال أعرابي : فتـى مثـل ضوء الشمس, ليس بباخل بخــير, ولا مهــد ملامـا لبـاخل ولا نــاطق عـوراء تـؤذى جليسـه ولا رافــع رأســا بعـوراء قـائل وجاءت هذه الكلمة في (باب فضل من علم وعلم) من حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله ﷺ (البخاري 1 : 23) : "فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" . (39) في المطبوعة : "فأوليت هل لطلبها" ، وزيادة"هو" لا بد منها . (40) انظر ما سلف 2 : 27 - 28 من هذا الجزء . (41) في المطبوعة : "إلى أشد العذاب من عذاب الدنيا" ، والصواب حذف"العذاب" . (42) في المطبوعة : "ولا معنىلقول ذلك بأن . . " والصواب زيادة"ذلك" . (43) في المطبوعة : "وتأويل قوله : وما الله بساه" ، لم يذكر الآية ، والصواب إثباتها . (44) مضى تفسير معنى"الغفلة" فيما سلف من هذا الجزء 2 : 244

الآية 85 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (85) - Surat Al-Baqarah

Then, you are those [same ones who are] killing one another and evicting a party of your people from their homes, cooperating against them in sin and aggression. And if they come to you as captives, you ransom them, although their eviction was forbidden to you. So do you believe in part of the Scripture and disbelieve in part? Then what is the recompense for those who do that among you except disgrace in worldly life; and on the Day of Resurrection they will be sent back to the severest of punishment. And Allah is not unaware of what you do

الآية 85 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (85) - Сура Al-Baqarah

Но впоследствии именно вы стали убивать друг друга и изгонять некоторых из вас из жилищ, помогая одним против других в грехе и посягательстве. А если они приходят к вам пленными, то вы выкупаете их. А ведь вам было запрещено изгонять их. Неужели вы станете веровать в одну часть Писания и отвергать другую часть? Воздаянием тому, кто совершает подобное, будет позор в мирской жизни, а в День воскресения они будут подвергнуты еще более ужасным мучениям. Аллах не находится в неведении о том, что вы совершаете

الآية 85 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (85) - سوره البَقَرَة

مگر آج وہی تم ہو کہ اپنے بھائی بندوں کو قتل کرتے ہو، اپنی برادری کے کچھ لوگوں کو بے خانماں کر دیتے ہو، ظلم و زیادتی کے ساتھ ان کے خلاف جتھے بندیاں کرتے ہو، اور جب وہ لڑائی میں پکڑے ہوئے تمہارے پاس آتے ہیں، تو ان کی رہائی کے لیے فدیہ کا لین دین کرتے ہو، حالانکہ انہیں ان کے گھروں سے نکالنا ہی سرے سے تم پر حرام تھا تو کیا تم کتاب کے ایک حصے پر ایمان لاتے ہو اور دوسرے حصے کے ساتھ کفر کرتے ہو پھر تم میں سے جو لوگ ایسا کریں، ان کی سزا اس کے سوا اور کیا ہے کہ دنیا کی زندگی میں ذلیل و خوار ہو کر رہیں اور آخرت میں شدید ترین عذاب کی طرف پھیر دیے جائیں؟ اللہ ان حرکات سے بے خبر نہیں ہے، جو تم کر رہے ہو

الآية 85 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (85) - Ayet البَقَرَة

Sonra siz, birbirinizi öldüren, aranızdan bir takımı memleketlerinden süren, onlara karşı günah ve düşmanlıkta birleşen, onları çıkarmak haramken size esir olarak geldiklerinde fidyelerini vermeye kalkan kimselersiniz. Kitabın bir kısmına inanıp, bir kısmını inkar mı ediyorsunuz? Aranızda böyle yapanın cezası ancak dünya hayatında rezil olmaktır. Ahiret gününde de azabın en şiddetlisine onlar uğratılırlar. Allah yaptıklarınızdan gafil değildir