مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة والثانية عشرة (١١٢) من سورة الأنعَام

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة والثانية عشرة من سورة الأنعَام ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ ﴿١١٢

الأستماع الى الآية المئة والثانية عشرة من سورة الأنعَام

إعراب الآية 112 من سورة الأنعَام

(وَكَذلِكَ) الواو استئنافية، ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف يبينه ما بعده والتقدير جعلنا لكل نبي جعلا كذلك الجعل الذي جعلناه لك من العداء. (جَعَلْنا لِكُلِّ) فعل ماض ونا فاعله (نَبِيٍّ) مضاف إليه. (عَدُوًّا) مفعوله الثاني (لِكُلِّ) متعلقان بمحذوف حال من عدوا لأنه قدّم عليه. (شَياطِينَ) مفعول به أول (الْإِنْسِ) مضاف إليه. (وَالْجِنِّ) معطوف، (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) فعل مضارع وفاعله ومفعول والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبله و(الْقَوْلِ) مضاف إليه. (غُرُوراً) حال منصوبة، أو مفعول لأجله. وجملة (يُوحِي) في محل نصب صفة عدوا أو حال من الشياطين. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) فعل ماض وفاعل ولو حرف شرط غير جازم والجملة مستأنفة لا محل لها (ما فَعَلُوهُ) فعل ماض وفاعل ومفعول به وما نافية والجملة لا محل لها جواب لو (فَذَرْهُمْ) الفاء هي الفصيحة. ذرهم فعل أمر والهاء مفعوله. (وَما يَفْتَرُونَ) ما مصدرية مؤولة مع الفعل بعدها بمصدر معطوف على ضمير النصب قبله التقدير فذرهم وافتراءهم. ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على الهاء أيضا. وجملة فذرهم لا محل لها جواب الشرط المقدر.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (112) من سورة الأنعَام تقع في الصفحة (142) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (8)

مواضيع مرتبطة بالآية (4 مواضع) :

الآية 112 من سورة الأنعَام بدون تشكيل

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ﴿١١٢

تفسير الآية 112 من سورة الأنعَام

وكما ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء -عليهم السلام- بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الجن، يُلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زيَّنوه بالباطل؛ ليغتر به سامعه، فيضل عن سبيل الله. ولو أراد ربك -جلَّ وعلا- لحال بينهم وبين تلك العداوة، ولكنه الابتلاء من الله، فدعهم وما يختلقون مِن كذب وزور.

(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) كما جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه (شياطين) مردة (الإنس والجن يوحي) يوسوس (بعضهم إلى بعض زخرف القول) مموهه من الباطل (غرورا) أي ليغروهم (ولو شاء ربُّك ما فعلوه) أي الإيحاء المذكور (فذرْهم) دع الكفار (وما يفترون) من الكفر وغيره مما زين لهم وهذا قبل الأمر بالقتال.

يقول تعالى -مسليا لرسوله محمد ﷺ- وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك، ويحاربونك، ويحسدونك، فهذه سنتنا، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء، من شياطين الإنس والجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل. ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا

يقول تعالى : وكما جعلنا لك - يا محمد - أعداء يخالفونك ، ويعادونك جعلنا لكل نبي من قبلك أيضا أعداء فلا يهيدنك ذلك ، كما قال تعالى : ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك ) ( آل عمران : 184 ) ، وقال تعالى : ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) ( الأنعام : 34 ) ، وقال تعالى : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) ( فصلت : 43 ) ، وقال تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ) ( الفرقان : 43 )


وقال ورقة بن نوفل لرسول الله ﷺ : إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي . وقوله : ( شياطين الإنس والجن ) بدل من ) عدوا ) أي : لهم أعداء من شياطين الإنس والجن ، ومن هؤلاء وهؤلاء ، قبحهم الله ولعنهم . قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله تعالى ( شياطين الإنس والجن ) قال : من الجن شياطين ، ومن الإنس شياطين ، يوحي بعضهم إلى بعض ، قال قتادة : وبلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي ، فقال النبي ﷺ : " تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن " فقال : أو إن من الإنس شياطين ؟ فقال رسول الله ﷺ : " نعم " . وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذر وقد روي من وجه آخر عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة ، عن ابن عائذ ، عن أبي ذر قال : أتيت رسول الله ﷺ في مجلس قد أطال فيه الجلوس ، قال ، فقال : " يا أبا ذر ، هل صليت؟ " قال : لا يا رسول الله
قال : " قم فاركع ركعتين " قال : ثم جئت فجلست إليه ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ " قال : قلت : لا يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين؟ قال : " نعم ، هم شر من شياطين الجن " وهذا أيضا فيه انقطاع وروي متصلا كما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي ، أنبأني أبو عمر الدمشقي ، عن عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر قال : أتيت النبي ﷺ وهو في المسجد ، فجلست فقال : " يا أبا ذر هل صليت؟ " قلت : لا
قال : " قم فصل " قال : فقمت فصليت ، ثم جلست فقال : " يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " قال : قلت يا رسول الله ، وللإنس شياطين؟ قال : " نعم "
وذكر تمام الحديث بطوله . وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من حديث جعفر بن عون ، ويعلى بن عبيد ، وعبيد الله بن موسى ، ثلاثتهم عن المسعودي ، به . طريق أخرى عن أبي ذر : قال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج ، حدثنا حماد ، عن حميد بن هلال ، حدثني رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال : " يا أبا ذر ، هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ " قال : قلت يا رسول الله ، هل للإنس من شياطين؟ قال : " نعم " . طريق أخرى للحديث : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " يا أبا ذر تعوذت من شياطين الجن والإنس؟ " قال : يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين؟ قال : " نعم ، شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا " فهذه طرق لهذا الحديث ، ومجموعها يفيد قوته وصحته ، والله أعلم . وقد روى ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو نعيم ، عن شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة : ( شياطين الإنس والجن ) قال : ليس من الإنس شياطين ، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن . قال : وحدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن عكرمة في قوله : ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) قال : للإنسي شيطان ، وللجني شيطان فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن ، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . وقال أسباط ، عن السدي ، عن عكرمة في قوله : ( يوحي بعضهم إلى بعض ) في تفسير هذه الآية : أما شياطين الإنس ، فالشياطين التي تضل الإنس ، وشياطين الجن الذين يضلون الجن ، يلتقيان ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : إني أضللت صاحبي بكذا وكذا ، فأضلل أنت صاحبك بكذا وكذا ، فيعلم بعضهم بعضا . ففهم ابن جرير من هذا; أن المراد بشياطين الإنس عند عكرمة والسدي : الشياطين من الجن الذين يضلون الناس ، لا أن المراد منه شياطين الإنس منهم
ولا شك أن هذا ظاهر من كلام عكرمة ، وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى ، وهو محتمل ، وقد روى ابن أبي حاتم نحو هذا ، عن ابن عباس من رواية الضحاك ، عنه ، قال : إن للجن شياطين يضلونهم - مثل شياطين الإنس يضلونهم ، قال : فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن ، فيقول هذا لهذا : أضلله بكذا ، أضلله بكذا
فهو قوله : ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) . وعلى كل حال فالصحيح ما تقدم من حديث أبي ذر : إن للإنس شياطين منهم ، وشيطان كل شيء مارده ، ولهذا جاء في صحيح مسلم ، عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال : " الكلب الأسود شيطان " ومعناه - والله أعلم - : شيطان في الكلاب . وقال ابن جريج : قال مجاهد في تفسير هذه الآية : كفار الجن شياطين ، يوحون إلى شياطين الإنس ، كفار الإنس ، زخرف القول غرورا . وروى ابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل ، قال : فقال لي : اخرج إلى الناس فحدث الناس
قال : فخرجت ، فجاء رجل فقال : ما تقول في الوحي؟ فقلت : الوحي وحيان ، قال الله تعالى : ( بما أوحينا إليك هذا القرآن ) ( يوسف : 3 ) ، وقال الله تعالى : ( شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) قال : فهموا بي أن يأخذوني ، فقلت : ما لكم ذاك ، إني مفتيكم وضيفكم
فتركوني . وإنما عرض عكرمة بالمختار - وهو ابن أبي عبيد - قبحه الله ، وكان يزعم أنه يأتيه الوحي ، وقد كانت أخته صفية تحت عبد الله بن عمر وكانت من الصالحات ، ولما أخبر عبد الله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحى إليه قال : صدق ، قال الله تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) ( الأنعام : 121 ) ، وقوله تعالى : ( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) أي : يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف ، وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره . ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي : وذلك كله بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكل نبي عدو من هؤلاء . ( فذرهم ) أي : فدعهم ، ( وما يفترون ) أي : يكذبون ، أي : دع أذاهم وتوكل على الله في عداوتهم ، فإن الله كافيك وناصرك عليهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ، مسلِّيَه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله, وحاثًّا له على الصبر على ما نال فيه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا)، يقول: وكما ابتليناك، يا محمد، بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطينَ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول، ليصدُّوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والإيمان بك وبما جئتهم به من عند ربّك، كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسّل, بأن جعلنا لهم أعداءً من قومهم يؤذُونهم بالجدال والخصومات. يقول: فهذا الذي امتحنتك به، لم تخصص به من بينهم وحدك, بل قد عممتهم بذلك معك لأبتليهم وأختبرهم، مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم, فلم أفعل ذلك إلا لأعرف أولي العزم منهم من غيرهم. يقول: فاصبر أنتَ كما صبر أولو العزم من الرسل .


وأما " شياطين الإنس والجن "، فإنهم مَرَدتهم ، وقد بينا الفعل الذي منه بُنِي هذا الاسم، بما أغنى عن إعادته . (3)
ونصب " العدو " و " الشياطين " بقوله: (جعلنا) . (4)
وأما قوله: (يُوحِي بعضُهم إلى بعض زخرف القول غرورًا)، فإنه يعني أنّه يلقي الملقي منهم القولَ، الذي زيّنه وحسَّنه بالباطل إلى صاحبه, ليغترّ به من سمعه، فيضلّ عن سبيل الله . (5)
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (شياطين الإنس والجن). فقال بعضهم: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس, وشياطين الجن التي مع الجنّ، وليس للإنس شياطين . * ذكر من قال ذلك: 13765- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه)، أما " شياطين الإنس "، فالشياطين التي تضلّ الإنس=" وشياطين الجن "، الذين يضلون الجنّ، يلتقيان، فيقول كل واحد منهما: " إني أضللت صاحبي بكذا وكذا, وأضللت أنت صاحبك بكذا وكذا ", فيعلم بعضُهم بعضًا . 13766- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم, عن شريك, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة: (شياطين الإنس والجن)، قال: ليس في الإنس شياطين، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس, وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن . (6) 13767- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل, عن السدي في قوله: (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا)، قال: للإنسان شيطان, وللجنّي شيطان, فيلقَى شيطان الإنس شيطان الجن, فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا .
قال أبو جعفر: جعل عكرمة والسدي في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما، عدوّ الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا)، أولادَ إبليس، دون أولاد آدم، ودون الجن= وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورًا, ولدَ إبليس, وأن مَنْ مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى مَنْ مع الجن من ولده زخرفَ القول غرورًا . وليس لهذا التأويل وجه مفهوم, لأن الله جعل إبليس وولده أعداءَ ابن آدم, فكل ولده لكل ولده عدوّ. وقد خصّ الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداءً. فلو كان معنيًّا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي, الذين هم ولد إبليس, لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبرِ عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداءً، وجهٌ . وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه، مثل الذي جعل لهم. ولكن ذلك كالذي قلنا، من أنه معنيٌّ به أنه جعل مردة الإنس والجن لكل نبي عدوًّا يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبرُ عن رسول الله ﷺ . 13768- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد, عن حميد بن هلال قال، حدثني رجل من أهل دمشق, عن عوف بن مالك, عن أبي ذر: أن رسول الله ﷺ قال: يا أبا ذر, هل تعوَّذت بالله من شر شياطين الإنس والجنّ؟ قال: قلت: يا رسول الله, هل للإنس من شياطين؟ قال: نعم! (7) 13769- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة, عن ابن عائذ, عن أبي ذر, أنه قال: أتيت رسول الله ﷺ في مجلس قد أطال فيه الجلوس, قال فقال: يا أبا ذر, هل صلَّيت؟ قال قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلستُ إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن؟ قال قلت: يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم, شرٌّ من شياطين الجن! (8) 13770- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: بلغني أن أبا ذر قام يومًا يُصلّي, فقال له النبي ﷺ: تعوَّذ يا أبا ذر، من شياطين الإنس والجن. فقال: يا رسول الله، أوَ إنّ من الإنس شياطين؟ قال: نعم! (9)
وقال آخرون في ذلك بنحو الذي قلنا: من أن ذلك إخبارٌ من الله أنّ شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض . * ذكر من قال ذلك: 13771- حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: (شياطين الإنس والجن)، قال: من الجن شياطين, ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض = قال قتادة: بلغني أن أبا ذر كان يومًا يصلّي, فقال له النبي ﷺ: تعوَّذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن. فقال: يا نبي الله, أوَ إن من الإنس شياطين؟ فقال النبي ﷺ: نعم! 13772- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس والجن)، الآية, ذكر لنا أنّ أبا ذر قام ذات يوم يصلي, فقال له نبي الله: تعوّذ بالله من شياطين الجن والإنس. فقال: يا نبي الله، أوَ للإنس شياطين كشياطين الجن؟ قال: " نعم, أوَ كذَبْتُ عليه؟" (10) 13773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوَّا شياطين الإنس والجن)، فقال: كفار الجنّ شياطين، يوحون إلى شياطين الإنس، كفارِ الإنس، زخرفَ القول غرورًا .
وأما قوله: (زُخرف القول غرورًا)، فإنه المزيَّن بالباطل، كما وصفت قبل. يقال منه: " زخرف كلامه وشهادته "، إذا حسَّن ذلك بالباطل ووشّاه ، كما:- 13774- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم, عن شريك, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة قوله: (زخرف القول غرورًا) قال: تزيين الباطل بالألسنة . 13775- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما " الزخرف ", فزخرفوه، زيَّنوه . 13776- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (زخرف القول غرورًا)، قال: تزيين الباطل بالألسنة . 13777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله . 13778- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (زخرف القول غرورًا)، يقول: حسَّن بعضهم لبعضٍ القول ليتّبعوهم في فتنتهم . 13779- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (زخرف القول غرورًا) قال: " الزخرف "، المزيَّن, حيث زيَّن لهم هذا الغرور, كما زيَّن إبليس لآدم ما جاءه به وقاسمه إنه له لمن الناصحين . وقرأ: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ، (سورة فصلت: 25). قال: ذلك الزخرف .
وأما " الغرور "، فإنه ما غرّ الإنسان فخدعه فصدَّه عن الصواب إلى الخطأ وعن الحق إلى الباطل (11) = وهو مصدر من قول القائل: " غررت فلانًا بكذا وكذا, فأنا أغرُّه غرورًا وغرًّا . كالذي:- 13780- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( غرورًا ) قال: يغرّون به الناسَ والجنّ .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شئت، يا محمد، أن يؤمن الذين كانوا لأنبيائي أعداءً من شياطين الإنس والجن فلا ينالهم مكرهم ويأمنوا غوائلهم وأذاهم, فعلتُ ذلك، ولكني لم أشأ ذلك، لأبتلي بعضهم ببعض، فيستحق كل فريق منهم ما سبق له في الكتاب السابق =(فذرهم)، يقول: فدعهم (12) = يعني الشياطين الذين يجادلونك بالباطل من مشركي قومك ويخاصمونك بما يوحي إليهم أولياؤهم من شياطين الإنس والجن=(وما يفترون)، يعني: وما يختلقون من إفك وزور. (13) يقول له ﷺ: اصبر عليهم، فإني من وراء عقابهم على افترائهم على الله، واختلاقهم عليه الكذبَ والزور . --------------------- الهوامش : (3) انظر تفسير (( الشيطان )) فيما سلف 1 : 111 ، 112 ، 296 . (4) انظر معاني القرآن 1 : 351 . (5) انظر تفسير (( الوحي )) فيما سلف من فهارس اللغة ( وحي ) . (6) الأثر : 13466 - (( سعيد بن مسروق الثوري )) ، مضى برقم : 7162 . (7) الأثر : 13768 - (( حميد بن هلال العدوي )) ، ثقة ، متكلم فيه . سمع من (( عوف ابن مالك )) ، ولكنه رواه بالوسطة ، عن مجهول : (( رجل من أهل دمشق )) . مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 2 / 344 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 /230 . و (( عوف بن مالك بن نضلة الجشمي )) ، ثقة ، مضى برقم : 6172 ، 12825 ، 12826 لم يذكر أنه سمع من أبي ذر . وهذا الخبر فيه مجهول . ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 380 (8) الأثر : 13769 - كان في إسناد هذا الخبر خطأ فاحش ، وقع شك من سهو الناسخ وعجلته ، فإنه كتب (( حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن أبي عن ابن عباس ، أبي عبد الله محمد بن أيوب )) ، ثم ضرب على (( ابن عباس )) . ولكنه ترك (( عن علي بن أبي طلحة )) ، وهو خطأ لا شك فيه كما سترى بعد . وسبب ذلك إسناد أبي جعفر المشهور وهو : (( حدثني المثنى ، قال حدثنا عبد الله صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس )) وهو إسناد دائر في التفسير ، آخره رقم : 13756 ، فجعل فكتب الإسناد المشهور ، ثم استدرك فضرب على (( ابن عباس )) ، والصواب أن يضرب أيضًا على (( علي بن أبي طلحة )) ، لأن هذا إسناد مختلف عن الأول كل الاختلاف ، ولذلك حذفت (( عن علي بن أبي طلحة )) ، مع ثبوته في المخطوطة والمطبوعة ، ولكن ابن كثير ذكره في التفسير على الصواب 3 : 379 ، كما أثبته . و (( أبو عبد الله محمد بن أيوب )) ، كأنه أيضًا خطأ من الناسخ ، وصوابه : (( أبو عبد الملك محمد بن أيوب )) لما سترى . (( محمد بن أيوب الأزدي )) ، (( أبو عبد الملك )) ، قال البخاري في الكبير 1 / 1 /29 ، 30 ( محمد بن أيوب أبو عبد الملك الأزدي ، عن ابن عائذ ، عن أبي ذر ، عن النبي ﷺ قال : آدم نبي مكلم . قال لنا : عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن محمد بن أيوب ، حديثه في الشاميين . سمع منه معاوية بن صالح )) وترجمة ابن أبي حاتم 3 / 2 / 196 ، 197 ، فذكر مثله . و (( ابن عائذ )) هو (( عبد الرحمن بن عائذ الثمالي )) ، ويقال : الأزدي الكندي ، ويقال : اليحصبي . وروى له الأربعة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 270 ، وكان ابن عائذ من حملة العلم ، يطلبه من أصحاب النبي ﷺ ، وأصحاب أصحابه . روى عن عمر وعلي مرسلا . وفي التهذيب انه روى عنهما وعن أبي ذر ، وعن غيرهم من الصحابة ، ولم يذكر (( مرسلا )) . وذكر ابن كثير هذا الأثر والذي يليه في تفسيره 3 : 379 ثم قال : (( وهذا أيضًا فيه انقطاع )) ، وتبين من تفسيره إسناده أنه غير منقطع . ثم قال : (( وروى متصلا كما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي ، أنبأني أبو عمر الدمشقي ، عن عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر قال : ... )) وذكر الحديث ، وهو بطوله في مسند أحمد 5 : 178 ، 179 . ثم ذكر ابن كثير طرقًا أخرى للحديث ثم قال : (( فهذه طرق لهذا الحديث ، ومجموعها يفيد قوته وصحته ، والله أعلم )) . (9) الأثر : 13770 - هذا أثر منقطع ، انظر التعليق على الخبر السالف ، وما قاله ابن كثير . (10) قوله : (( أو كذبت عليه )) ، استنكار من رسول الله ﷺ سؤال أبي ذر ، فإن نص التنزيل دال على ذلك ، ورسول الله هو الصادق المصدق المبلغ عن ربه الحق الذي لا كذب فيه . (11) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف 7 : 453 / 9 : 224 . (12) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف ص : 46 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك . (13) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف : 11 : 533 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .

الآية 112 من سورة الأنعَام باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (112) - Surat Al-An'am

And thus We have made for every prophet an enemy - devils from mankind and jinn, inspiring to one another decorative speech in delusion. But if your Lord had willed, they would not have done it, so leave them and that which they invent

الآية 112 من سورة الأنعَام باللغة الروسية (Русский) - Строфа (112) - Сура Al-An'am

Так Мы определили для каждого пророка врагов - дьяволов из числа людей и джиннов, внушающих друг другу красивые слова обольщения. Если бы твой Господь пожелал, они не поступали бы так. Оставь же их вместе с их измышлениями

الآية 112 من سورة الأنعَام باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (112) - سوره الأنعَام

اور ہم نے تو اسی طرح ہمیشہ شیطان انسانوں اور شیطان جنوں کو ہر نبی کا دشمن بنایا ہے جو ایک دوسرے پر خوش آیند باتیں دھوکے اور فریب کے طور پر القا کرتے رہے ہیں اگر تمہارے رب کی مشیت یہ ہوتی کہ وہ ایسا نہ کریں تو وہ کبھی نہ کرتے پس تم اُنہیں ان کے حال پر چھوڑ دو کہ اپنی افترا پردازیاں کرتے رہیں

الآية 112 من سورة الأنعَام باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (112) - Ayet الأنعَام

Aldatmak için birbirlerine cazip sözler fısıldayan cin ve insan şeytanlarını her peygambere düşman yaptık. Bu şeytanlar ahirete inanmayanların kalblerinin o sözlere yönelmesi, ondan hoşnut olması ve kendilerinin işledikleri suçları işlemeleri için böyle yaparlar. Rabbin dileseydi bunu yapamazlardı, sen onları iftiraları ile başbaşa bırak