مشاركة ونشر

تفسير الآية الثالثة والسبعين (٧٣) من سورة الأنعَام

الأستماع وقراءة وتفسير الآية الثالثة والسبعين من سورة الأنعَام ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ﴿٧٣

الأستماع الى الآية الثالثة والسبعين من سورة الأنعَام

إعراب الآية 73 من سورة الأنعَام

(وَهُوَ الَّذِي) مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة، وجملة (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) صلة الموصول (بِالْحَقِّ) متعلقان بمحذوف حال خلق السموات مقدرا بالحق (وَيَوْمَ) ظرف زمان متعلق بالفعل المحذوف (اذكر) والجملة الفعلية مستأنفة، وجملة (يَقُولُ) في محل جر بالإضافة. (كُنْ) فعل أمر تام وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت يرجع إلى كل ما خلق اللّه. (فَيَكُونُ) فعل مضارع تام معطوف على الفعل كن قبله، والجملتان مقول القول. (قَوْلُهُ الْحَقُّ) مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة (وَلَهُ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ (الْمُلْكُ). والجملة معطوفة (يَوْمَ) ظرف زمان بدل من يوم يقول قبله منصوب بالفتحة مثله (يُنْفَخُ) مضارع مبني للمجهول والجار والمجرور (فِي الصُّورِ) نائب فاعل والجملة في محل جر بالإضافة. (عالِمُ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو عالم (الْغَيْبِ) مضاف إليه (وَالشَّهادَةِ) عطف والجملة مستأنفة. (وَهُوَ الْحَكِيمُ) مبتدأ وخبر والجملة معطوفة (الْخَبِيرُ) خبر ثان مرفوع.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (73) من سورة الأنعَام تقع في الصفحة (136) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (7) ، وهي الآية رقم (862) من أصل 6236 آية في القرآن الكريم

مواضيع مرتبطة بالآية (14 موضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 73 من سورة الأنعَام

الصّور : القرن الذي بنفخ فيه إسرافيل

الآية 73 من سورة الأنعَام بدون تشكيل

وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ﴿٧٣

تفسير الآية 73 من سورة الأنعَام

والله سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض بالحق، واذكر -أيها الرسول- يوم القيامة إذ يقول الله: "كن"، فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب، قوله هو الحق الكامل، وله الملك سبحانه وحده، يوم ينفخ المَلَك في "القرن" النفخة الثانية التي تكون بها عودة الأرواح إلى الأجسام. وهو سبحانه الذي يعلم ما غاب عن حواسكم -أيها الناس - وما تشاهدونه، وهو الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، الخبير بأمور خلقه. والله تعالى هو الذي يختص بهذه الأمور وغيرها بدءًا ونهاية، نشأة ومصيرًا، وهو وحده الذي يجب على العباد الانقياد لشرعه، والتسليم لحكمه، والتطلع لرضوانه ومغفرته.

(وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق) أي محقا (و) اذكر (يوم يقول) للشيء (كن فيكون) هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا (قولُه الحق) الصدق الواقع لا محالة (وله الملك يوم ينفخ في الصور) القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره (لمن الملك اليوم؟ لله) (عالُم الغيب والشهادة) ما غاب وما شوهد (وهو الحكيم) في خلقه (الخبير) بباطن الأشياء كظاهرها.

( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم، ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ ) الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئا عبثا ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) أي: يوم القيامة، خصه بالذكر –مع أنه مالك كل شيء- لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار. ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) أي : بالعدل ، فهو خالقهما ومالكهما ، والمدبر لهما ولمن فيهما . وقوله : ( ويوم يقول كن فيكون ) يعني : يوم القيامة ، الذي يقول الله : ( كن ) فيكون عن أمره كلمح البصر ، أو هو أقرب . ( ويوم ) منصوب إما على العطف على قوله : ( واتقوه ) وتقديره : واتقوا يوم يقول كن فيكون ، وإما على قوله : ( خلق السماوات والأرض ) أي : وخلق يوم يقول كن فيكون


فذكر بدء الخلق وإعادته ، وهذا مناسب
وإما على إضمار فعل تقديره : واذكر يوم يقول كن فيكون . وقوله : ( قوله الحق وله الملك ) جملتان محلهما الجر ، على أنهما صفتان لرب العالمين . وقوله : ( يوم ينفخ في الصور ) يحتمل أن يكون بدلا من قوله : ( ويوم يقول كن فيكون ) ( يوم ينفخ في الصور ) ويحتمل أن يكون ظرفا لقوله : ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) كقوله ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) ( غافر : 16 ) ، وكقوله ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) ( الفرقان : 26 ) ، وما أشبه ذلك . واختلف المفسرون في قوله : ( يوم ينفخ في الصور ) فقال بعضهم : المراد بالصور هاهنا جمع " صورة " أي : يوم ينفخ فيها فتحيا . قال ابن جرير : كما يقال سور - لسور البلد هو جمع سورة
والصحيح أن المراد بالصور : " القرن " الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - ، قال ابن جرير : والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - ﷺ - أنه قال : " إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ " . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أسلم العجلي ، عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو قال : قال أعرابي : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن ينفخ فيه . وقد روينا حديث الصور بطوله ، من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني ، في كتابه " الطوالات " قال : حدثنا أحمد بن الحسن المصري الأيلي ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، حدثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة ، - رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله - ﷺ - ، وهو في طائفة من أصحابه ، فقال : " إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض ، خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ، شاخصا بصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر "
قلت : يا رسول الله ، وما الصور؟ قال " القرن "
قلت : كيف هو؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق ، إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض
ينفخ فيه ثلاث نفخات : النفخة الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين
يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول
انفخ ، فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السموات ( وأهل ) الأرض إلا من شاء الله
ويأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر ، وهي كقول الله : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) ، فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب ، فتكون سرابا " . ثم ترتج الأرض بأهلها رجة فتكون كالسفينة المرمية في البحر ، تضربها الأمواج ، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش ، ترجرجه الرياح ، وهي التي يقول ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ) ( النازعات : 6 - 8 ) ، فيميد الناس على ظهرها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع ، حتى تأتي الأقطار ، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ما لهم من أمر الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : ( يوم التناد ) ( غافر : 32 ) . فبينما هم على ذلك ، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت فانتشرت نجومها ، وانخسف شمسها وقمرها
قال رسول الله - ﷺ - : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله ، عز وجل ، حين يقول : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ( النمل : 87 ) ، قال : " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند الله يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وآمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه " ، قال : وهو الذي يقول الله ، عز وجل : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) ( الحج : 1 ، 2 ) فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله ، إلا أنه يطول . ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السموات ( وأهل ) الأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم قد خمدوا ، وجاء ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت
فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي - : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة العرش ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا
فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل
فينطق الله العرش فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل !! فيقول : اسكت ، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي ، فيموتان
ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ( عز وجل ) فيقول يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل
فيقول الله ( عز وجل ) - وهو أعلم بمن بقي - : فمن تبقى؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقيت أنا
فيقول الله ، ( عز وجل ) ليمت حملة عرشي
فيموتوا ، ويأمر الله العرش
فيقبض الصور منإسرافيل ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك
فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي - : : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا
فيقول الله ( عز وجل ) أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت
فيموت
فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد ( الصمد ) الذي لم يلد ولم يولد ، كان آخرا كما كان أولا طوى السموات والأرض طي السجل للكتب ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات ، ثم يقول : أنا الجبار ، أنا الجبار ، أنا الجبار ثلاثا
ثم هتف بصوته : ( لمن الملك اليوم ) ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه : ( لله الواحد القهار ) ( غافر : 16 ) ، يقول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) ( إبراهيم : 48 ) ، فيبسطهما ويسطحهما ، ثم يمدهما مد الأديم العكاظي ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) ( طه : 107 ) . ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة مثل ما كانوا فيها من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله ( عز وجل ) عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث - أو : كنبات البقل - حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت ، قال الله ، عز وجل : ليحيا حملة عرشي ، فيحيون
ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل فيحيان ، ثم يدعو الله الأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا ، وأرواح الكافرين ظلمة ، فيقبضها جميعا ثم يلقيها في الصور . ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول ( الله ) وعزتي وجلالي ، ليرجعن كل روح إلى جسده ، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم وأنا أول من تنشق الأرض عنه ، فتخرجون سراعا إلى ربكم تنسلون ( مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ) ( القمر : 8 ) حفاة عراة ( غلفا ) غرلا فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما ، لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق ، أو يبلغ الأذقان ، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك
فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا ، أبى عليهم "
قال رسول الله - ﷺ - : " حتى يأتوني ، فأنطلق إلى الفحص فأخر ساجدا " قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الفحص؟ قال : " قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي ، ويرفعني ، فيقول لي : يا محمد فأقول : نعم يا رب
فيقول الله ، عز وجل : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم
قال ( الله ) قد شفعتك ، أنا آتيكم أقضي بينكم " . قال رسول الله - ﷺ - : " فأرجع فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف ، إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا وهو آت . ثم ينزل ( من ) أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ فيقولون : لا وهو آت . ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف ، حتى ينزل الجبار ، عز وجل ، في ظلل من الغمام والملائكة ، فيحمل عرشه يومئذ ثمانية - وهم اليوم أربعة - أقدامهم في تخوم الأرض السفلى والأرض والسموات إلى حجزتهم والعرش على مناكبهم ، لهم زجل في تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العرش والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس قدوس قدوس ، سبحان ربنا الأعلى ، رب الملائكة والروح ، سبحان ربنا الأعلى ، الذي يميت الخلائق ولا يموت ، فيضع الله كرسيه حيث يشاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إلي ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله جهنم ، فيخرج منها عنق ( مظلم ) ساطع ، ثم يقول : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون ) - أو : بها تكذبون - شك أبو عاصم - ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) ( يس : 60 - 64 ) فيميز الله الناس وتجثو الأمم
يقول الله تعالى : ( وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) ( الجاثية : 28 ) فيقضي الله ، عز وجل ، بين خلقه ، إلا الثقلين الجن والإنس ، فيقضي بين الوحش والبهائم ، حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى قال الله ( لها ) كوني ترابا
فعند ذلك يقول الكافر : ( يا ليتني كنت ترابا ) ( النبأ : 40 ) ثم يقضي الله ( عز وجل ) بين العباد ، فكان أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل في سبيل الله ، عز وجل ، ويأمر الله ( عز وجل ) كل قتيل فيحمل رأسه تشخب أوداجه يقول : يا رب ، فيم قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم - : فيم قتلتهم؟ فيقول : قتلتهم لتكون العزة لك
فيقول الله له : صدقت
فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس ، ثم تمر به الملائكة إلى الجنة . ويأتي كل من قتل على غير ذلك يحمل رأسه وتشخب أوداجه ، فيقول : يا رب ، ( فيم ) قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم - : لم قتلتهم؟ فيقول : يا رب ، قتلتهم لتكون العزة لك ولي
فيقول : تعست
ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة ظلمها إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه . ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلقه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها ( الله ) للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء . فإذا فرغ الله من ذلك ، ناد مناد يسمع الخلائق كلهم : ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله
فلا يبقى أحد عبد من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم
ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى ، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار ، وهو الذي يقول ( تعالى ) ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) ( الأنبياء : 99 ) . فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون ، جاءهم الله فيما شاء من هيئته ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون
فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره ، فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم فيمكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون
فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره ، فيكشف لهم عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر
ثم يأذن الله لهم فيرفعون ، ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم كحد الشفرة - أو : كحد السيف - عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان ، دون جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف العين ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال
فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكردس على وجهه في جهنم . فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة ، قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم - عليه السلام - ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله
فيؤتى نوح فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول عليكم بإبراهيم فإن الله اتخذه خليلا
فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول : عليكم بموسى فإن الله قربه نجيا ، وكلمه وأنزل عليه التوراة
فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : لست بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم . فيؤتى عيسى ابن مريم ، فيطلب ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بمحمد "
قال رسول الله - ﷺ - : " فيأتوني - ولي عند ربي ثلاث شفاعات ( وعدنهن ) - فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، فأستفتح فيفتح لي ، فأحيى ويرحب بي
فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد واشفع تشفع ، وسل تعطه
فإذا رفعت رأسي يقول الله - وهو أعلم - : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة ، فيقول الله : قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخول الجنة " . وكان رسول الله - ﷺ - يقول : " والذي نفسي بيده ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله ، عز وجل ، وثنتين آدميتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله ، لعبادتهما الله في الدنيا
فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليها سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، ثم إنه يضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبدها له مرآة ، وكبده لها مرآة
فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ، ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، وما تشتكي قبلها
فبينا هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن لك أزواجا غيرها
فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما أتى واحدة ( له ) قالت : له والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيء أحب إلي منك . وإذا وقع أهل النار في النار ، وقع فيها خلق من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم ، فمنهم من تأخذ النار قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله ، إلا وجهه حرم الله صورته عليها "
قال رسول الله - ﷺ - : " فأقول يا رب ، من وقع في النار من أمتي
فيقول : أخرجوا من عرفتم ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد
ثم يأذن الله في الشفاعة فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع ، فيقول الله : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا
فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يشفع الله فيقول : أخرجوا من ( وجدتم ) في قلبه إيمانا ثلثي دينار
ثم يقول : ثلث دينار
ثم يقول : ربع دينار
ثم يقول : قيراطا
ثم يقول : حبة من خردل
فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ، ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول مما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له ، ثم يقول : بقيت وأنا أرحم الراحمين
فيدخل يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره ، كأنهم حمم ، فيلقون على نهر يقال له : نهر الحيوان ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ما يلقى الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون كنبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الذر ، مكتوب في رقابهم : " الجهنميون عتقاء الرحمن " ، يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا لله قط ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله ، وذلك الكتاب في رقابهم ، ثم يقولون : ربنا امح عنا هذا الكتاب ، فيمحوه الله ، عز وجل ، عنهم " . هذا حديث ( مشهور ) وهو غريب جدا ، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة وفي بعض ألفاظه نكارة
تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد اختلف فيه ، فمنهم من وثقه ، ومنهم من ضعفه ، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وعمرو بن علي الفلاس ، ومنهم من قال فيه : هو متروك
وقال ابن عدي : أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء . قلت : وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة ، قد أفردتها في جزء على حدة
وأما سياقه ، فغريب جدا ، ويقال : إنه جمعه من أحاديث كثيرة ، وجعله سياقا واحدا ، فأنكر عليه بسبب ذلك
وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول : إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفا قد جمع فيه كل الشواهد لبعض مفردات هذا الحديث ، فالله أعلم .

القول في تأويل قوله : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد, الداعيك إلى عبادة الأوثان: " أمرنا لنسلم لرب العالمين، الذي خلق السماوات والأرض بالحق, لا من لا ينفع ولا يضر، ولا يسمع ولا يبصر ".


واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " بالحق ". فقال بعضهم: معنى ذلك، وهو الذي خلق السماوات والأرض حقًّا وصوابًا, لا باطلا وخطأ, كما قال تعالى ذكره: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا (سورة ص: 27) . قالوا: وأدخلت فيه " الباء " و " الألف واللام ", كما تفعل العرب في نظائر ذلك فتقول: " فلان يقول بالحق ", بمعنى: أنه يقول الحق. قالوا: ولا شيء في" قوله بالحق " غير إصابته الصواب فيه = لا أنّ" الحق " معنى غير " القول " , وإنما هو صفةٌ للقول، إذا كان بها القول، كان القائل موصوفًا بالقول بالحق، وبقول الحق. قالوا: فكذلك خلق السماوات والأرض، حكمة من حكم الله, فالله موصوف بالحكمة في خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه = لا أنّ ذلك حقٌّ سوى خَلْقِهما خَلَقَهما به. (36)
وقال آخرون: معنى ذلك: خلق السماوات والأرض بكلامه وقوله لهما: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ، (سورة فصلت: 11) . قالوا: فالحق، في هذا الموضع معنيّ به: كلامه. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقوله: " ويوم يقول كن فيكون قوله الحق "،" الحق " هو قوله وكلامه. (37) قالوا: والله خلق الأشياء بكلامه وقيله، فما خلق به الأشياء فغير الأشياء المخلوقة. (38) قالوا: فإذْ كان ذلك كذلك, وجب أن يكون كلام الله الذي خلق به الخلق غيرَ مخلوق.
وأما قوله: " ويوم يقول كن فيكون "، فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في" يوم يقول "، وفي معنى ذلك. فقال بعض نحويي البصرة: " اليوم " مضاف إلى " يقول كن فيكون ". (39) قال: وهو نصب، وليس له خبر ظاهر, والله أعلم, وهو على ما فسرت لك = كأنه يعني بذلك أن نصبه على: واذكر يوم يقول كن فيكون. قال: وكذلك: " يوم ينفخ في الصور "، قال: وقال بعضهم: يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة. (40)
وقال بعضهم: " يقول كن فيكون " للصور خاصة (41) = فمعنى الكلام على تأويلهم: يوم يقول للصور كن فيكون، قوله الحق يوم ينفخ فيه عالم الغيب والشهادة = فيكون " القول " حينئذ مرفوعًا ب " الحق " و " الحق " ب " القول " ، وقوله: " يوم يقول كن فيكون "، و " يوم ينفخ في الصور "، صلة " الحق ".
وقال آخرون: بل قوله: " كن فيكون "، معنيٌّ به كل ما كان الله مُعِيده في الآخرة بعد إفنائه، ومنشئه بعد إعدامه = فالكلام على مذهب هؤلاء، متناهٍ عند قوله: " كن فيكون "، وقوله: " قوله الحق "، خبر مبتدأ = وتأويله: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق, ويوم يقول للأشياء كن فيكون خلقهما بالحق بعد فنائهما. ثم ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقَه أنه معيدهما بعد فنائهما عن أنه حق فقال: قوله هذا، الحقّ الذي لا شك فيه. وأخبر أن له الملك يوم ينفخ في الصور = ف يوم ينفخ في الصور "، يكون على هذا التأويل من صلة " الملك ". وقد يجوز على هذا التأويل أن يكون قوله: " يوم ينفخ في الصور " من صلة " الحق ".
وقال آخرون: بل معنى الكلام: ويوم يقول لما فني: " كن "، فيكون قوله الحق, فجعل " القول " مرفوعًا بقوله " ويوم يقول كن فيكون "، وجعل قوله: " كن فيكون "، للقول محلا وقوله: " يوم ينفخ في الصور "، من صلة " الحق " = كأنه وجه تأويل ذلك إلى: ويومئذ قوله الحق يوم ينفخ في الصور. وإن جعل على هذا التأويل " يوم ينفخ في الصور " بيانًا عن اليوم الأول, كان وجهًا صحيحًا. ولو جعل قوله: " قوله الحق "، مرفوعًا بقوله: " يوم ينفخ في الصور "، وقوله: " يوم ينفخ في الصور "، محلا وقوله: " ويوم يقول كن فيكون " من صلته، كان جائزًا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أنه المنفرد بخلق السماوات والأرض دون كل ما سواه, معرِّفًا من أشرك به من خلقه جهلَه في عبادة الأوثان والأصنام، وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما لا يضر ولا ينفع، ولا يقدر على اجتلاب نفع إلى نفسه، ولا دفع ضر عنها = ومحتجًّا عليهم في إنكارهم البعثَ بعد الممات والثوابَ والعقاب، بقدرته على ابتداع ذلك ابتداءً, وأن الذي ابتدع ذلك غير متعذر عليه إفناؤه ثم إعادته بعد إفنائه, فقال: " وهو الذي خلق "، أيها العادلون بربهم من لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شيء =" السماوات والأرض بالحق ", حجة على خلقه, ليعرفوا بها صانعها، وليستدلُّوا بها على عظيم قدرته وسلطانه, فيخلصوا له العبادة =" ويوم يقول كن فيكون "، يقول: ويوم يقول حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات كذلك: " كن فيكون ", كما شاء تعالى ذكره, فتكون الأرض غير الأرض = ويكون (الكلام) عند قوله: " كن فيكون " متناهيًا. (42) وإذا كان كذلك معناه، وجب أن يكون في الكلام محذوفٌ يدلّ عليه الظاهر, ويكون معنى الكلام: ويوم يقول كذلك: " كن فيكون " تبدل (السماوات والأرض) غير السماوات والأرض. (43) ويدلّ على ذلك قوله: " وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق "، ثم ابتدأ الخبر عن القول فقال: " قوله الحق "، بمعنى وعدُه هذا الذي وَعدَ تعالى ذكره، من تبديله السماوات والأرض غير الأرض والسماوات, الحقُّ الذي لا شك فيه =" وله الملك يوم ينفخ في الصور "، فيكون قوله: " يوم ينفخ في الصور "، من صلة " الملك " = ويكون معنى الكلام: ولله الملك يومئذ، لأن النفخة الثانية في الصور حال تبديل الله السماوات والأرض غيرهما. وجائز أن يكون " القول " أعنى: " قوله الحق "، = مرفوعًا بقوله: " ويوم يقول كن فيكون ", ويكون قوله: " كن فيكون " محلا للقول مرافعًا، فيكون تأويل الكلام: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق, ويوم يبدلها غير السماوات والأرض، فيقول لذلك: " كن فيكون "،" قوله الحق ".
وأما قوله: " وله الملك يوم ينفخ في الصور "، فإنه خُصّ بالخبر عن ملكه يومئذ, وإن كان الملك له خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدّعي له, وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة، فأذعن جميعهم يومئذ له به, وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل.
واختلف في معنى " الصور " في هذا الموضع. فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان: إحداهما لفناء من كان حيًّا على الأرض, والثانية لنشر كل مَيْتٍ. واعتلوا لقولهم ذلك بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (سورة الزمر : 68) ، وبالخبر الذي روي عن رسول الله ﷺ أنه قال إذ سئل عن الصور: هو قرن يُنفخ فيه. (44)
وقال آخرون: " الصور " في هذا الموضع جمع " صورة "، ينفخ فيها روحها فتحيا, كقولهم: (45) " سور " لسور المدينة, وهو جمع " سورة ", كما قال جرير: سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعَ (46)
والعرب تقول: " نفخ في الصور " و " نفخ الصور "، ومن قولهم: " نفخ الصور " (47) قول الشاعر: (48) لَـوْلا ابْـنُ جَـعْدَةَ لَـمْ تُفْتَحْ قُهُنْدُزُكُمْ وَلا خُرَاسَـانَ حَـتَّى يُنْفَـخَ الصُّـورُ (49) قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله ﷺ, أنه قال: " إن إسرافيلَ قد التقم الصور وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر فينفخ "، (50) وأنه قال: " الصور قرن ينفخ فيه ". (51)
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله: " يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "، يعني: أن عالم الغيب والشهادة، هو الذي ينفخ في الصور. 13432 - حدثني به المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " عالم الغيب والشهادة "، يعني: أنّ عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور .
= فكأن ابن عباس تأوّل في ذلك أن قوله: " عالم الغيب والشهادة "، اسم الفاعل الذي لم يسمَّ في قوله: " يوم ينفخ في الصور "، وأن معنى الكلام: يوم ينفخ الله في الصور، عالم الغيب والشهادة. كما تقول العرب: " أُكلَ طعامك، عبدُ الله ", فتظهر اسم الآكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسم آكله. وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع, فإن أحسن من ذلك أن يكون قوله: " عالم الغيب والشهادة "، مرفوعًا على أنه نعت ل " الذي"، في قوله: " وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق " .
وروي عنه أيضًا أنه كان يقول: " الصور " في هذا الموضع، النفخة الأولى. 13433 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة "، يعني بالصور: النفخة الأولى, ألم تسمع أنه يقول: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى يعني الثانية فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (سورة الزمر: 68).
ويعني بقوله: " عالم الغيب والشهادة " ، عالم ما تعاينون: أيها الناس, فتشاهدونه, (52) وما يغيب عن حواسكم وأبصاركم فلا تحسونه ولا تبصرونه (53) =" وهو الحكيم "، في تدبيره وتصريفه خلقه من حال الوجود إلى العدم, ثم من حال العدم والفناء إلى الوجود, ثم في مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب (54) =" الخبير "، بكل ما يعملونه ويكسبونه من حسن وسيئ, حافظ ذلك عليهم ليحازيهم على كل ذلك. (55) يقول تعالى ذكره: فاحذروا، أيها العادلون بربكم، عقابَه, فإنه عليم بكل ما تأتون وتذرون, وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعملون.
--------------- الهوامش : (36) في المطبوعة: "سوى خلقهما به" ، أساء وحذف وبدل وأفسد الكلام ، ثم ضبط"سوى" فعلا بتشديد الواو ، وجعل"خلقهما به" مصدرًا منصوبًا بالفعل. وهو فساد وخطل. والصواب ما في المخطوطة: "سوى" (بكسر السين) بمعنى"غير" و"خلقهما" الأولى مصدر مضاف مجرور ، و"خلقهما به" فعل ماض. وهذا حق المعنى وصوابه. وهذا من عبث الناشرين والمصححين ، يستعيذ المرء من مثله ، فإنه ناقض للأمانة أولا ، ولمعاني العقل والفقه بعد ذلك. (37) هذه العبارة فيها في المخطوطة سقط وتكرار ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب. (38) كانت هذه العبارة في المطبوعة: "كما خلق به الأشياء غير المخلوقة" ، وهو كلام ساقط جدًا ، فاسد المعنى بل هو غاية في فساد المعنى. والذي في المخطوطة: "مما خلق به الأشياء بغير الأشياء المخلوقة" ، وهي محرفة ، صواب قراءتها ما أثبت ، يدل على ذلك الجملة الآتية. ويعني أن الذي خلق به الأشياء - هو غير الأشياء المخلوقة ، وإذا كان غيرها ، فهو غير مخلوق. (39) في المخطوطة: "مضاف إلى كن فيكون" ، والصواب ما في المطبوعة. (40) هذه الجملة الأخيرة لم أعرف لها هنا موقعًا ، ولكني تركتها على حالها. وهي منقطعة عما بعدها بلا شك ، فإن الذي يليها هو مقالة الفراء من الكوفيين. وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء. (41) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 340. (42) في المطبوعة: "فتكون الأرض غير الأرض عند قوله: كن فيكون ، متناهيًا" ، وهي كلام سقيم ، أسقط من المخطوطة: "ويكون" ، هي ثابتة فيها ، ولكن أسقط الناسخ ما وضعته بين القوسين ، وبذلك استقامت العبارة. وهذا بين من السياق. (43) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، وفي المخطوطة: "تبدله" مكان"تبدل" والصواب ما في المطبوعة. والناسخ في هذا الموضع قد أسقط الكلام وأفسده. (44) رواه أحمد في مسند عبد الله بن عمرو رقم: 6507 ، وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه. ورواه أبو داود في سننه 4: 326 ، رقم: 326 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، والترمذي في باب"ما جاء في الصور" ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ورواه الحاكم في المستدرك 4: 560 ، وقال: "حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. و"القرن" ، البوق يتخذ من القرون ، ينفخ فيه. (45) في المطبوعة والمخطوطة: "لقولهم" ، والصواب بالكاف كما أثبته. (46) مضى تخريجه وتمامه فيما سلف 2: 17 ، 242. (47) انظر تفسير"نفخ" فيما سلف 6: 426 ، 427. (48) لم أعرف قائله. (49) معاني القرآن للفراء 1: 340 ، نسب قريش: 345 ، المعرب للجواليقي: 267 اللسان (صور). و"ابن جعدة" ، هو: "عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي" ، وكان أبوه"جعدة بن هبيرة" على خراسان ، ولاه علي بن أبي طالب. و"القهندز" (بضم القاف والهاء وسكون النون ، وضم الدال). من لغة أهل خراسان ، يعنون بها: الحصن أو القلعة. (50) رواه الترمذي في باب"ما جاء في الصور" ، وفي أول تفسير سورة الزمر وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 337 ، ثم قال: "رواه مسلم في صحيحه" ، ولم أستطع أن أعرف مكانه في صحيح مسلم. (51) انظر التعليق السالف ص: 462 ، تعليق: 1 (52) انظر تفسير"الشهادة" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد). (53) انظر تفسير"الغيب" فيما سلف ص: 402 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك. (54) انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم). (55) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر).

الآية 73 من سورة الأنعَام باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (73) - Surat Al-An'am

And it is He who created the heavens and earth in truth. And the day He says, "Be," and it is, His word is the truth. And His is the dominion [on] the Day the Horn is blown. [He is] Knower of the unseen and the witnessed; and He is the Wise, the Acquainted

الآية 73 من سورة الأنعَام باللغة الروسية (Русский) - Строфа (73) - Сура Al-An'am

Он - Тот, Кто сотворил небеса и землю ради истины. В тот день Он скажет: «Будь!». - и это сбудется. Его Слово есть истина. Ему одному будет принадлежать власть в тот день, когда подуют в Рог. Он знает сокровенное и явное, и Он - Мудрый, Ведающий

الآية 73 من سورة الأنعَام باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (73) - سوره الأنعَام

وہی ہے جس نے آسمان و زمین کو بر حق پیدا کیا ہے اور جس د ن وہ کہے گا کہ حشر ہو جائے اسی دن وہ ہو جائے گا اس کا ارشاد عین حق ہے اور جس روز صور پھونکا جائیگا اس روز پادشاہی اُسی کی ہوگی، وہ غیب اور شہادت ہر چیز کا عالم ہے اور دانا اور باخبر ہے

الآية 73 من سورة الأنعَام باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (73) - Ayet الأنعَام

Gökleri ve yeri gerçekle yaratan O'dur ki "Ol" dediği gün (an) hemen olur; sözü gerçektir. Sura üfleneceği gün hükümranlık O'nundur. Görülmeyeni de görüleni de bilir. O Hakim'dir, haberdardır

الآية 73 من سورة الأنعَام باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (73) - versículo الأنعَام

Él es Quien creó el cosmos y el planeta Tierra con un fin justo y verdadero. En cualquier momento que diga: "¡Sé!", es. Su palabra es la Verdad. Suya será la soberanía el día que se sople la trompeta [para dar comienzo a la resurrección]. Él es el conocedor de lo oculto y de lo manifiesto, Él es el Sabio y el Conocedor