مشاركة ونشر

تفسير الآية الثامنة والسبعين (٧٨) من سورة النِّسَاء

الأستماع وقراءة وتفسير الآية الثامنة والسبعين من سورة النِّسَاء ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا ﴿٧٨

الأستماع الى الآية الثامنة والسبعين من سورة النِّسَاء

إعراب الآية 78 من سورة النِّسَاء

(أَيْنَما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بتكونوا التامة أو بخبرها إن كانت ناقصة (تَكُونُوا) فعل مضارع تام والواو فاعل أو مضارع ناقص والواو اسمها وهو مجزوم بحذف النون لأنه فعل الشرط (يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط ومفعوله وفاعله والجملة لا محل لها جواب شرط غير مقترن بالفاء الرابطة لجواب الشرط أو بإذا الفجائية. (وَلَوْ) الواو حالية لو شرطية (كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ) كان واسمها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبرها والجملة حالية (مُشَيَّدَةٍ) صفة. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) إن شرطية جازمة وفعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط ومفعوله وفاعله والجملة مستأنفة (يَقُولُوا) فعل مضارع جواب الشرط مجزوم وفاعله الواو. (هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) اسم الإشارة مبتدأ والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر والجملة مقول القول (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) إعرابها كسابقتها والواو عاطفة. (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) كل مبتدأ والجار والمجرور بعده متعلقان بمحذوف خبره اللّه لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة مفعول به بعد الفعل قل (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) ما اسم استفهام مبتدأ والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبره (الْقَوْمِ) بدل مجرور والجملة مستأنفة بعد الفاء (لا يَكادُونَ) فعل مضارع ناقص والواو اسمها ولا نافية لا عمل لها (يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) فعل مضارع وفاعله ومفعوله والجملة في محل نصب خبر يكادون وجملة لا يكادون في محل نصب حال.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (78) من سورة النِّسَاء تقع في الصفحة (90) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (5)

مواضيع مرتبطة بالآية (10 مواضع) :

الآية 78 من سورة النِّسَاء بدون تشكيل

أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ﴿٧٨

تفسير الآية 78 من سورة النِّسَاء

أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند حلول آجالكم، ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن ساحة المعارك والقتال. وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى، وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد ﷺ جهالة وتشاؤمًا، وما علموا أن ذلك كله من عند الله وحده، بقضائه وقدره، فما بالهم لا يقاربون فَهْمَ أيِّ حديث تحدثهم به؟

(أينما تكونوا يدرككُّم الموت ولو كنتم في بروج) حصون (مشيدة) مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت (وإن تصبهم) أي اليهود (حسنة) خصب وسعة (يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة) جدب وبلاء كما لهم عند قدوم النبي ﷺ المدينة (يقولوا هذه من عندك) يا محمد أي بشؤمك (قل) لهم (كل) من الحسنة والسيئة (من عند الله) من قبله (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون) أي لا يقاربون أن يفهموا (حديثا) يُلقى إليهم وما استفهام تعجب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه.

ثم أخبر أنه لا يغني حذر عن قدر، وأن القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئًا، فقال: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ ) أي: في أي زمان وأي مكان. ( وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) أي: قصور منيعة ومنازل رفيعة، وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه، وتارة بالترهيب من عقوبة تركه، وتارة بالإخبار أنه لا ينفع القاعدين قعودُهم، وتارة بتسهيل الطريق في ذلك وقصرها.يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل، المعارضين لهم أنهم إذا جاءتهم حسنة أي: خصب وكثرة أموال، وتوفر أولاد وصحة، قالوا: ( هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) وأنهم إن أصابتهم سيئة أي: جدب وفقر، ومرض وموت أولاد وأحباب قالوا: ( هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) أي: بسبب ما جئتنا به يا محمد، تطيروا برسول الله ﷺ كما تطير أمثالهم برسل الله، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى ( فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ) وقال قوم صالح: ( قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) وقال قوم ياسين لرسلهم: ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ) الآية. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم. وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم: ( قُلْ كُلٌّ ) أي: من الحسنة والسيئة والخير والشر. ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) أي: بقضائه وقدره وخلقه. ( فَمَا لهَؤُلَاءِ الْقَوْم ) أي: الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. ( لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) أي: لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه، أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى الأسباب المعينة على ذلك، من الإقبال على كلامهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه. فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك. وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث، هم ولا ما جاءوا به لأنهم بعثوا بصلاح الدنيا والآخرة والدين.

وقوله : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) أي : أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد منكم ، كما قال تعالى : ( كل من عليها فان ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ) ( الرحمن : 26 ، 27 ) وقال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ) ( آل عمران : 185 ) وقال تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) ( الأنبياء : 34 ) والمقصود : أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة ، ولا ينجيه من ذلك شيء ، وسواء عليه جاهد أو لم يجاهد ، فإن له أجلا محتوما ، وأمدا مقسوما ، كما قال خالد بن الوليد حين جاءه الموت على فراشه : لقد شهدت كذا وكذا موقفا ، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي ، فلا نامت أعين الجبناء . وقوله : ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) أي : حصينة منيعة عالية رفيعة


وقيل : هي بروج في السماء
قاله السدي ، وهو ضعيف
والصحيح : أنها المنيعة
أي : لا يغني حذر وتحصن من الموت ، كما قال زهير بن أبي سلمى : ومن خاف أسباب المنية يلقها ولو رام أسباب السماء بسلم ثم قيل : " المشيدة " هي المشيدة كما قال : ( وقصر مشيد ) ( الحج : 45 ) وقيل : بل بينهما فرق ، وهو أن المشيدة بالتشديد ، هي : المطولة ، وبالتخفيف هي : المزينة بالشيد وهو الجص . وقد ذكر ابن جرير ، وابن أبي حاتم هاهنا حكاية مطولة عن مجاهد : أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق ، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار ، فخرج ، فإذا هو برجل واقف على الباب ، فقال : ما ولدت المرأة ؟ فقال : جارية ، فقال : أما إنها ستزني بمائة رجل ، ثم يتزوجها أجيرها ، ويكون موتها بالعنكبوت
قال : فكر راجعا ، فبعج الجارية بسكين في بطنها ، فشقه ، ثم ذهب هاربا ، وظن أنها قد ماتت ، فخاطت أمها بطنها ، فبرئت وشبت وترعرعت ، ونشأت أحسن امرأة ببلدتها فذهب ذاك ( الأجير ) ما ذهب ، ودخل البحور فاقتنى أموالا جزيلة ، ثم رجع إلى بلده وأراد التزويج ، فقال لعجوز : أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة
فقالت له : ليس هنا أحسن من فلانة
فقال : اخطبيها علي
فذهبت إليها فأجابت ، فدخل بها فأعجبته إعجابا شديدا ، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه ؟ فأخبرها خبره ، وما كان من أمره في هربه
فقالت : أنا هي
وأرته مكان السكين ، فتحقق ذلك فقال : لئن كنت إياها فلقد أخبرتني باثنتين لا بد منهما ، إحداهما : أنك قد زنيت بمائة رجل
فقالت : لقد كان شيء من ذلك ، ولكن لا أدري ما عددهم ؟ فقال : هم مائة
والثانية : أنك تموتين بالعنكبوت
فاتخذ لها قصرا منيعا شاهقا ، ليحرزها من ذلك ، فبينا هم يوما إذا بالعنكبوت في السقف ، فأراها إياها ، فقالت : أهذه التي تحذرها علي ، والله لا يقتلها إلا أنا ، فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها ، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها ، فاسودت رجلها وكان في ذلك أجلها . ونذكر هاهنا قصة صاحب الحضر ، وهو " الساطرون " لما احتال عليه " سابور " حتى حصره فيه ، وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين ، وقالت العرب في ذلك أشعارا منها : وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة تجبى إليه والخابور شاده مرمرا وجلله كل سا فللطير في ذراه وكور لم تهبه أيدي المنون فباد ال ملك عنه فبابه مهجور ولما دخل على عثمان يقول : اللهم اجمع أمة محمد ، ثم تمثل بقول الشاعر : أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع لعاد ملاذا في البلاد ومربعا يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ويأتي الجبال في شماريخها معا وقوله : ( وإن تصبهم حسنة ) أي : خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي ( يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ) أي : قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو نتاج أو غير ذلك
كما يقوله أبو العالية والسدي
( يقولوا هذه من عندك ) أي : من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك
كما قال تعالى عن قوم فرعون : ( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) ( الأعراف : 131 ) وكما قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ( فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ) ) الآية ( الحج : 11 )
وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا وهم كارهون له في نفس الأمر ; ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم للنبي ﷺ وقال السدي : ( وإن تصبهم حسنة ) قال : والحسنة الخصب ، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم ، ويحسن وتلد نساؤهم الغلمان قالوا : ( هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ) والسيئة : الجدب والضرر في أموالهم ، تشاءموا بمحمد ﷺ وقالوا : ( هذه من عندك ) يقولون : بتركنا واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء ، فأنزل الله عز وجل : ( قل كل من عند الله ) فقوله ( قل كل من عند الله ) أي الجميع بقضاء الله وقدره ، وهو نافذ في البر والفاجر ، والمؤمن والكافر . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قل كل من عند الله ) أي : الحسنة والسيئة
وكذا قال الحسن البصري . ثم قال تعالى منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب
وقلة فهم وعلم ، وكثرة جهل وظلم : ( فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى : ( قل كل من عند الله ) قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا السكن بن سعيد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن حماد ، عن مقاتل بن حيان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ ; فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس ، وقد ارتفعت أصواتهما ، فجلس أبو بكر قريبا من رسول الله ﷺ ; وجلس عمر قريبا من أبي بكر ، فقال رسول الله ﷺ : " لم ارتفعت أصواتكما ؟ " فقال رجل : يا رسول الله ، قال أبو بكر : الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا
فقال رسول الله ﷺ : " فما قلت يا عمر ؟ " قال : قلت : الحسنات والسيئات من الله تعالى
فقال رسول الله ﷺ : " إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل ، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر ، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال : نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض
فتحاكما إلى إسرافيل ، فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله "
ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال " احفظا قضائي بينكما ، لو أراد الله ألا يعصى لم يخلق إبليس " . قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية : هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة .

القول في تأويل قوله : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: = حيثما تكونوا يَنَلكم الموت فتموتوا =" ولو كنتم في بروج مشيَّدة "، يقول: لا تجزعوا من الموت، ولا تهربوا من القتال، وتضعفوا عن لقاء عدوكم، حذرًا على أنفسكم من القتل والموت، فإن الموت بإزائكم أين كنتم، وواصلٌ إلى أنفسكم حيث كنتم، ولو تحصَّنتم منه بالحصون المنيعة.


واختلف أهل التأويل في معنى قوله: " ولو كنتم في بروج مشيدة ". فقال بعضهم: يعنى به: قصور مُحصنة. *ذكر من قال ذلك: 9957 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولو كنتم في بروج مشيدة "، يقول: في قصور محصنة. 9958 - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا أبو همام قال، حدثنا كثير أبو الفضل، عن مجاهد قال: كان فيمن كان قبلكم امرأة، وكان لها أجيرٌ، فولدت جارية. فقالت لأجيرها: اقتبس لنا نارًا، فخرج فوجد بالباب رجلا فقال له الرجل: ما ولدت هذه المرأة؟ قال: جارية. قال: أما إنّ هذه الجارية لا تموت حتى تبغي بمئة، ويتزوجها أجيرها، (25) ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فقال الأجير في نفسه: فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمئة!! فأخذ شفرة فدخل فشق بطن الصبية. وعولجت فبرِئت، فشبَّت، وكانت تبغي، فأتت ساحلا من سواحل البحر، فأقامت عليه تبغي. ولبث الرجل ما شاء الله، ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير، فقال لامرأة من أهل الساحل: ابغيني امرأة من أجمل امرأة في القرية أتزوجها! فقالت: ههنا امرأة من أجمل الناس، ولكنها تبغي. قال: ائتيني بها. فأتتها فقالت: قد قدم رجل له مال كثير، وقد قال لي: كذا. فقلت له: كذا. فقالت: إني قد تركت البغاء، ولكن إن أراد تزوَّجته! قال: فتزوجها، فوقعت منه موقعًا. فبينا هو يومًا عندها إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية! = وأرته الشق في بطنها = وقد كنت أبغي، فما أدري بمئة أو أقل أو أكثر! قال: فإنّه قال لي: يكون موتها بعنكبوت. (26) قال: فبنى لها برجًا بالصحراء وشيده. فبينما هما يومًا في ذلك البرج، إذا عنكبوت في السقف، فقالت: هذا يقتلني؟ لا يقتله أحد غيري! فحركته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدَخَتْه، وساحَ سمه بين ظفرها واللحم، فاسودت رجلها فماتت. فنـزلت هذه الآية: " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ". (27) 9959 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " ولو كنتم في بروج مشيدة "، قال: قصور مشيدة.
وقال آخرون: معنى ذلك: قصورٌ بأعيانها في السماء. *ذكر من قال ذلك: 9960 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "، وهي قصور بيض في سماء الدنيا، مبنية. 9961 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال، أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع في قوله: " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "، يقول: ولو كنتم في قصور في السماء. (28)
واختلف أهل العربية في معنى " المشيدة ". فقال بعض أهل البصرة منهم: " المشيدة "، الطويلة. قال: وأما " المشِيدُ"، بالتخفيف، فإنه المزيَّن. (29)
وقال آخر منهم نحو ذلك القول، (30) غير أنه قال: " المَشِيد " بالتخفيف المعمول بالشِّيد، و " الشيد " الجِصُّ.
وقال بعض أهل الكوفة: " المَشيد " و " المُشَيَّد "، أصلهما واحد، غير أن ما شدِّد منه، فإنما يشدد لنفسه، والفعل فيه في جمع، (31) مثل قولهم: " هذه ثياب مصبَّغة "، و " غنم مذبَّحة "، فشدد؛ لأنها جمع يفرَّق فيها الفعل. وكذلك مثله،" قصور مشيدة "، لأن القصور كثيرة تردد فيها التشييد، ولذلك قيل: " بروج مشيدة "، ومنه قوله: وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ، وكما يقال: " كسَّرت العودَ"، إذا جعلته قطعًا، أي: قطعة بعد قطعة. وقد يجوز في ذلك التخفيف، فإذا أفرد من ذلك الواحد، فكان الفعل يتردد فيه ويكثر تردده في جمع منه، جاز التشديد عندهم والتخفيف، فيقال منه: " هذا ثوب مخرَّق " و " جلد مقطع "، لتردد الفعل فيه وكثرته بالقطع والخرق. وإن كان الفعل لا يكثر فيه ولا يتردد، ولم يجيزوه إلا بالتخفيف، وذلك نحو قولهم: " رأيت كبشًا مذبوحًا " ولا يجيزون فيه: " مذَّبحًا "، لأن الذبح لا يتردد فيه تردد التخرُّق في الثوب.
وقالوا: فلهذا قيل: " قصر مَشِيد "، لأنه واحد، فجعل بمنـزلة قولهم: " كبش مذبوح ". وقالوا: جائز في القصر أن يقال: " قصر مشيَّد " بالتشديد، لتردد البناء فيه والتشييد، ولا يجوز ذلك في" كبش مذبوح "، لما ذكرنا. (32)
القول في تأويل قوله : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قل أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله "، وإن ينلهم رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة (33) =" يقولوا هذه من عند الله "، يعني: من قبل الله ومن تقديره (34) =" وإن تصبهم سيئة "، يقول: وإن تنلهم شدة من عيش وهزيمة من عدو وجراح وألم، (35) = يقولوا لك يا محمد: =" هذه من عندك "، بخطئك التدبير. وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 9962 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر قالا حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك "، قال: هذه في السراء والضراء. (36) 9963 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية مثله. 9964 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " فقرأ حتى بلغ: وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا ، قال: إن هذه الآيات نـزلت في شأن الحرب. فقرأ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا فقرأ حتى بلغ: " وإن تصبهم سيئة "، يقولوا: " هذه من عند محمد عليه السلام، أساء التدبير وأساء النظر! ما أحسن التدبير ولا النظر ".
القول في تأويل قوله : قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " قل كل من عند الله "، قل، يا محمد، لهؤلاء القائلين إذا أصابتهم حسنة: " هذه من عند الله "، وإذا أصابتهم سيئة: هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ : = كل ذلك من عند الله، دوني ودون غيري، من عنده الرخاء والشدة، ومنه النصر والظفر، ومن عنده الفَلُّ والهزيمة، (37) كما:- 9965 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: " قل كل من عند الله "، النعم والمصائب. 9966 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " كل من عند الله "، النصر والهزيمة. 9967 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا "، يقول: الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها.
القول في تأويل قوله : فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فمال هؤلاء القوم "، (38) فما شأن هؤلاء القوم الذين إن تصبهم حسنة يقولوا: هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وإن تصبهم سيئة يقولوا: هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ =" لا يكادون يفقهون حديثًا "، يقول: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به، من أن كل ما أصابهم من خير أو شر، أو ضرّ وشدة ورخاء، فمن عند الله، لا يقدر على ذلك غيره، ولا يصيب أحدًا سيئة إلا بتقديره، ولا ينال رخاءً ونعمة إلا بمشيئته. وهذا إعلام من الله عبادَه أن مفاتح الأشياء كلها بيده، لا يملك شيئًا منها أحد غيره. ------------------------- الهوامش : (25) "تبغي" من"البغاء" ، "بغت المرأة": فجرت وزنت. (26) في المطبوعة: "بالعنكبوت" ، وأثبت ما في المخطوطة. (27) الأثر: 9958 -"كثير أبو الفضل" ، هو: كثير بن يسار الطفاوي ، أبو الفضل البصري. روى عن الحسن البصري ، وثابت البناني وغيرهما. مترجم في التهذيب. وهذا الأثر أخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 515 ، من تفسير ابن أبي حاتم ، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2: 184 ، ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم ، وأبي نعيم في الحلية. (28) الأثر: 9961 -"عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ" ، مضى برقم: 2929 ، وهذا الإسناد نفسه مضى أيضًا قبله برقم 2919 ، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا"عبد الرحمن بن سعيد" ، كما كان في رقم: 2929 ، ولكنه سيأتي على الصواب في المخطوطة والمطبوعة بعد قليل رقم: 9962 ، 9972. (29) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 132. (30) في المطبوعة والمخطوطة: "وقال آخرون منهم" ، والسياق يقتضي ما أثبت. (31) في المطبوعة: "فإنما يشدد لتردد الفعل فيه ..." غير ما في المخطوطة ، وهو ما أثبته وهو صواب المعنى المطابق للسياق. (32) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 277. (33) انظر تفسير"الإصابة" فيما سلف: 514 ، 538 وانظر تفسير"الحسنة" فيما سلف 4: 203-206. (34) انظر تفسير"عند" فيما سلف: 2: 500 / 7: 490 ، 495. (35) انظر تفسير"سيئة" فيما سلف: 2: 281 ، 282 ، / 7: 482 ، 490 / 8: 254. (36) الأثر: 9962 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 9961. (37) في المطبوعة: "القتل والهزيمة" ، وفي المخطوطة: "العال والهزيمة" غير منقوطة ، ورجحت أن صوابها"الفل" ، من قولهم: "فل القوم يفلهم فلا.": هزمهم وكسرهم. (38) قال الفراء في معاني القرآن 1: 278: "(فمال) ، كثرت في الكلام حتى توهموا أن اللام متصلة ب"ما" ، وأنها حرف في بعضه".

الآية 78 من سورة النِّسَاء باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (78) - Surat An-Nisa

Wherever you may be, death will overtake you, even if you should be within towers of lofty construction. But if good comes to them, they say, "This is from Allah "; and if evil befalls them, they say, "This is from you." Say, "All [things] are from Allah." So what is [the matter] with those people that they can hardly understand any statement

الآية 78 من سورة النِّسَاء باللغة الروسية (Русский) - Строфа (78) - Сура An-Nisa

Смерть настигнет вас, где бы вы ни находились, даже если вы будете в возведенных башнях. Если их постигает добро, они говорят: «Это - от Аллаха». Если же их постигает зло, они говорят: «Это - от тебя». Скажи: «Это - от Аллаха». Что же произошло с этими людьми, что они едва понимают то, что им говорят

الآية 78 من سورة النِّسَاء باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (78) - سوره النِّسَاء

رہی موت، تو جہاں بھی تم ہو وہ بہرحال تمہیں آکر رہے گی خواہ تم کیسی ہی مضبوط عمارتوں میں ہو اگر انہیں کوئی فائدہ پہنچتا ہے تو کہتے ہیں یہ اللہ کی طرف سے ہے، اور اگر کوئی نقصان پہنچتا ہے تو کہتے ہیں یہ تمہاری بدولت ہے کہو، سب کچھ اللہ ہی کی طرف سے ہے آخر ان لوگوں کو کیا ہو گیا ہے کہ کوئی بات ان کی سمجھ میں نہیں آتی

الآية 78 من سورة النِّسَاء باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (78) - Ayet النِّسَاء

Nerede olursaniz olun, sağlam kaleler içinde bulunsanız bile, ölüm size yetişecektir. Onlara bir iyilik gelirse: "Bu Allah'tandır" derler, bir kötülüğe uğrarlarsa "Bu, senin tarafındandır" derler. De ki: "Hepsi Allah'tandır". Bunlara ne oluyor ki, hiçbir sözü anlamaya yanaşmıyorlar

الآية 78 من سورة النِّسَاء باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (78) - versículo النِّسَاء

La muerte los alcanzará donde quiera que se encuentren, aunque se refugien en fortalezas inexpugnables. Si les acontece algo bueno dicen: "Esto proviene de Dios". Pero si los alcanza un perjuicio dicen: "Esto es a causa de ti [¡oh, Mujámmad!]". Diles: "Todo proviene de Dios". ¿Qué le sucede a esta gente que no comprenden lo que se les dice