مشاركة ونشر

تفسير الآية السابعة والأربعين (٤٧) من سورة النِّسَاء

الأستماع وقراءة وتفسير الآية السابعة والأربعين من سورة النِّسَاء ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهٗا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰٓ أَدۡبَارِهَآ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا ﴿٤٧

الأستماع الى الآية السابعة والأربعين من سورة النِّسَاء

إعراب الآية 47 من سورة النِّسَاء

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ) سبق إعرابها (أُوتُوا الْكِتابَ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعله والكتاب مفعوله (آمِنُوا) فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله (بِما نَزَّلْنا) جار ومجرور متعلقان بآمنوا وجملة (نَزَّلْنا) صلة الموصول (مُصَدِّقاً) حال (لِما) جار ومجرور متعلقان بمصدقا (مَعَكُمْ) ظرف متعلق بمحذوف صلة أي: للذي وجد معكم (مِنْ قَبْلِ) متعلقان بآمنوا (أَنْ نَطْمِسَ) المصدر المؤول في محل جر بالإضافة (وُجُوهاً) مفعول نطمس (فَنَرُدَّها) عطف على نطمس والهاء مفعوله (عَلى أَدْبارِها) متعلقان بمحذوف حال أي: نردها ناكصة (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) عطف على نردها (كَما لَعَنَّا) فعل ماض وفاعل وما مصدرية والمصدر المؤول في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف أي: نلعنهم لعنا كلعننا أصحاب السبت (أَصْحابَ) مفعول به (السَّبْتِ) مضاف إليه والجملة استئنافية. (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) كان واسمها ولفظ الجلالة مضاف إليه ومفعولا خبرها والجملة معطوفة.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (47) من سورة النِّسَاء تقع في الصفحة (86) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (5)

مواضيع مرتبطة بالآية (12 موضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 47 من سورة النِّسَاء

نطمس وُجُوها : نمحوها أو نترُكَهم في الضّلالة

الآية 47 من سورة النِّسَاء بدون تشكيل

ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ﴿٤٧

تفسير الآية 47 من سورة النِّسَاء

يا أهل الكتاب، صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن، مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم، فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور، أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير، كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت، الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا، فغضب الله عليهم، وطردهم من رحمته، وكان أمر الله نافذًا في كل حال.

(يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا) من القرآن (مصدّقا لما معكم) من التوراة (من قبل أن نطمس وجوها) نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب (فنردها على أدبارها) فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا (أو نلعنهم) نمسخهم قردة (كما لعنَّا) مسخنا (أصحاب السبت) منهم (وكان أمر الله) قضاؤه (مفعولا) ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيدا بشرط فلما أسلم به ببعضهم رفع وقيل يكون طمس ومسح قبل قيام الساعة.

يأمر تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يؤمنوا بالرسول محمد ﷺ وما أنزل الله عليه من القرآن العظيم، المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها، فإنها أخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقا لذلك الخبر. وأيضا فإنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنهم لم يؤمنوا بما في أيديهم من الكتب، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا، ويوافق بعضها بعضًا. فدعوى الإيمان ببعضها دون بعض دعوى باطلة لا يمكن صدقها. وفي قوله: ( آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ) حث لهم وأنهم ينبغي أن يكونوا قبل غيرهم مبادرين إليه بسبب ما أنعم الله عليهم به من العلم، والكتاب الذي يوجب أن يكون ما عليهم أعظم من غيرهم، ولهذا توعدهم على عدم الإيمان فقال: ( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ) وهذا جزاء من جنس ما عملوا، كما تركوا الحق، وآثروا الباطل وقلبوا الحقائق، فجعلوا الباطل حقا والحق باطلا، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق، وردها على أدبارها، بأن تجعل في أقفائهم وهذا أشنع ما يكون ( أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) بأن يطردهم من رحمته، ويعاقبهم بجعلهم قردة، كما فعل بإخوانهم الذين اعتدوا في السبت ( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) كقوله: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )

يقول تعالى - آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد ﷺ من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ، ومتهددا لهم أن يفعلوا ، بقوله : ( من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ) قال بعضهم : معناه : من قبل أن نطمس وجوها


طمسها هو ردها إلى الأدبار ، وجعل أبصارهم من ورائهم
ويحتمل أن يكون المراد : من قبل أن نطمس وجوها فلا يبقى لها سمع ولا بصر ولا أثر ، ونردها مع ذلك إلى ناحية الأدبار . قال العوفي عن ابن عباس : ( من قبل أن نطمس وجوها ) وطمسها أن تعمى ( فنردها على أدبارها ) يقول : نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم ، فيمشون القهقرى ، ونجعل لأحدهم عينين من قفاه . وكذا قال قتادة ، وعطية العوفي
وهذا أبلغ في العقوبة والنكال ، وهذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبل الضلالة يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم ، وهذا كما قال بعضهم في قوله : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون
وجعلنا من بين أيديهم سدا )
( ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) ) ( يس 8 ، 9 ) إن هذا مثل ( سوء ) ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى . قال مجاهد : ( من قبل أن نطمس وجوها ) يقول : عن صراط الحق ، ( فنردها على أدبارها ) أي : في الضلالة . قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عباس ، والحسن نحو هذا . قال السدي : ( فنردها على أدبارها ) فنمنعها عن الحق ، قال : نرجعها كفارا ونردهم قردة . وقال ابن زيد نردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز . وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية ، قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا جابر بن نوح ، عن عيسى بن المغيرة قال : تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب ، فقال : أسلم كعب زمان عمر ، أقبل وهو يريد بيت المقدس ، فمر على المدينة ، فخرج إليه عمر فقال : يا كعب ، أسلم ، قال : ألستم تقرؤون في كتابكم ( مثل الذين حملوا التوراة ( ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل ) أسفارا ) وأنا قد حملت التوراة
قال : فتركه عمر
ثم خرج حتى انتهى إلى حمص ، فسمع رجلا من أهلها حزينا ، وهو يقول : ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ) الآية
قال كعب : يا رب آمنت ، يا رب ، أسلمت ، مخافة أن تصيبه هذه الآية ، ثم رجع فأتى أهله في اليمن ، ثم جاء بهم مسلمين . وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر بلفظ آخر ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عمرو بن واقد ، عن يونس بن حلبس عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني قال : كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب ، وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله ﷺ قال : فبعثه إليه لينظر أهو هو ؟ قال كعب : فركبت حتى أتيت المدينة ، فإذا تال يقرأ القرآن ، يقول : ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ) فبادرت الماء فاغتسلت وإني لأمسح وجهي مخافة أن أطمس ، ثم أسلمت . وقوله : ( أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ) يعني : الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد ، وقد مسخوا قردة وخنازير ، وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف . وقوله : ( وكان أمر الله مفعولا ) أي : إذا أمر بأمر ، فإنه لا يخالف ولا يمانع .

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب "، اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا حوالَيْ مهاجَر رسول الله ﷺ، قال الله لهم: يا أيها الذين أنـزل إليهم الكتاب فأعطوا العلم به ="آمنوا " يقول: صدِّقوا بما نـزلنا إلى محمد من الفرقان =" مصدقًا لما معكم "، يعني: محقِّقًا للذي معكم من التوراة التي أنـزلتها إلى موسى بن عمران =" من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ".


واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: " طمسه إياها ": محوه آثارها حتى تصير كالأقْفَاء. وقال آخرون: معنى ذلك أن نطمس أبصارها فنصيّرها عمياء، ولكن الخبر خرج بذكر " الوجه "، والمراد به بصره =" فنردّها على أدبارها "، فنجعل أبصارَها من قبل أقفائها. *ذكر من قال ذلك: 9713 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثنا عمي قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا " إلى قوله: " من قبل أن نطمس وجوهًا "، وطمسها: أن تعمى =" فنردها على أدبارها "، يقول: أن نجعل وجوههم من قبل أقفِيتهم، فيمشون القهقرى، ونجعل لأحدهم عينين في قفاه. 9714 - حدثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبْدي قال، حدثنا أبو قتيبة، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي في قوله: " من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، قال: نجعلها في أقفائها، فتمشي على أعقابها القهقرى. (24) 9715 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، بنحوه = إلا أنه قال: طمْسُها: أن يردَّها على أقفائها. 9716 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " فنردها على أدبارها "، قال: نحوِّل وجوهها قِبَل ظهورها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك (25) من قبل أن نعمي قومًا عن الحق =" فنردها على أدبارها "، في الضلالة والكفر. *ذكر من قال ذلك: 9717 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، فنردها عن الصراط، عن الحق (26) =" فنردها على أدبارها "، قال: في الضلالة. 9718 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " أن نطمس وجوهًا " عن صراط الحق =" فنردها على أدبارها "، في الضلالة. 9719 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. 9720 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، الحسن: " نطمس وجوهًا "، يقول: نطمسها عن الحق =" فنردها على أدبارها "، على ضلالتها. 9721 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله: كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ، قال: نـزلت في مالك بن الصَّيِّف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، من بني قينقاع. أما " أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، يقول: فنعميها عن الحق ونُرجعها كفارًا. 9722 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، يعني: أن نردهم عن الهدى والبصيرة، فقد ردَّهم على أدبارهم، فكفروا بمحمد ﷺ وما جاء به.
وقال آخرون: معنى ذلك: من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم التي هم بها، وناحيتهم التي هم بها =" فنردها على أدبارها "، من حيث جاءوا منه بَديًّا من الشام. (27) *ذكر من قال ذلك: 9723 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، قال: كان أبي يقول: إلى الشأم.
وقال آخرون: معنى ذلك: " من قبل أن نطمس وجوهًا "، فنمحو أثارها ونسوِّيها =" فنردها على أدبارها "، بأن نجعل الوجوه منابتَ الشَّعر، كما وجوه القردة منابت للشعر، لأن شعور بني آدم في أدبار وجوههم. فقالوا: إذا أنبت الشعر في وجوههم، فقد ردَّها على أدبارها، بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه. (28)
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معنى قوله: " من قبل أن نطمس وجوها "، من قبل أن نطمس أبصارَها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء =" فنردها على أدبارها "، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعني بذلك: فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه: فنحوّل الوجوه أقْفاءً والأقفَاء وجوهًا، فيمشون القهقرى، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب: لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهودَ الذين وصف صفتهم بقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ، ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدِّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " الآية، بأسَه وسطوته وتعجيل عَقابه لهم، (29) إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به. ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارًا.
وإذْ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال: تأويل ذلك: أن نعمِيها عن الحق فنردها في الضلالة. فما وجْه ردِّ من هو في الضلالة فيها؟! وإنما يرد في الشيء من كان خارجًا منه. فأما من هو فيه، فلا وجه لأن يقال: " نرده فيه ".
وإذْ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ الله قد تهدَّد للذين ذكرهم في هذه الآية بردّه وجوهَهم على أدبارهم = كان بيّنًا فساد تأويل من قال: معنى ذلك: يهددهم بردِّهم في ضلالتهم.
وأما الذين قالوا: معنى ذلك: من قبل أن نجعل الوجوه منابتَ الشعر كهيئة وجوه القردة، فقولٌ لقول أهل التأويل مخالف. وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين، على خطئه شاهدًا.
وأما قول من قال: معناه: من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها، فنردّهم إلى الشأم من مساكنهم بالحجاز ونجدٍ، فإنه = وإن كان قولا له وجه = مما يدل عليه ظاهر التنـزيل بعيد. (30) وذلك أن المعروف من " الوجوه " في كلام العرب، التي هي خلاف " الأقفاء "، وكتاب الله يُوَجَّه تأويله إلى الأغلب في كلام مَن نـزل بلسانه، حتى يدلّ على أنه معنيٌّ به غير ذلك من الوجوه، الذي يجب التسليم له. (31)
وأما " الطمس "، فهو العُفُوّ والدثور في استواء. منه يقال: " طمست أعلام الطريق تطمِسُ طُموسًا "، إذا دثرت وتعفَّت، فاندفنت واستوت بالأرض، كما قال كعب بن زهير: مِـنْ كُـلِّ نَضَّاحَـةِ الذِّفْرَى إذَا عَرقَتْ عُرْضَتُهَـا طَـامِسُ الأعْـلام مَجْهُولُ (32) يعني: " طامس الأعلام "، دائر الأعلام مندفنها. ومن ذلك قيل للأعمى الذي قد تعفَّى غَرُّ ما بين جفني عينيه فدثر: (33) " أعمى مطموس، وطمْيس "، كما قال الله جل ثناؤه: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ (سورة يس: 66).
= قال أبو جعفر: " الغَرُّ"، الشقّ الذي بين الجفنين. (34)
فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت من تأويل الآية، فهل كان ما توعَّدهم به؟ (35) قيل: لم يكن، لأنه آمن منهم جماعة، منهم: عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد بن سعية، (36) وأسد بن عبيد، ومُخَيْرِق، (37) وجماعة غيرهم، فدفع عنهم بإيمانهم. ومما يبين عن أن هذه الآية نـزلت في اليهود الذين ذكرنا صفتهم، ما:- 9724 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير= وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة = جميعًا، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كلَّم رسول الله ﷺ رؤساء من أحبار يهود: منهم عبد الله بن صوريا، وكعب بن أسد فقال لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا! فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحقٌّ! (38) فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد! وجحدوا ما عرفوا، وأصرّوا على الكفر، فأنـزل الله فيهم: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهًا فنردها على أدبارها "، الآية (39) 9725 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن عيسى بن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلامَ كعبٍ، (40) فقال: أسلم كعب في زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس، فمرّ على المدينة، فخرج إليه عمر فقال: يا كعب، أسلم! قال: ألستم تقرأون في كتابكم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (سورة الجمعة: 5)؟ وأنا قد حملت التوراة! قال: فتركه. ثم خرج حتى انتهى إلى حمص، قال: فسمع رجلا من أهلها حزينًا وهو يقول: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـزلنا مصدقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، الآية. فقال كعب: يا رب آمنت، يا رب أسلمت! مخافة أن تصيبه الآية، ثم رجع فأتى أهله باليمن، ثم جاء بهم مسلمين.
القول في تأويل قوله : أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (47) قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " أو نلعنهم "، أو نلعنكم فنخزيكم ونجعلكم قردة =" كما لعنا أصحاب السبت "، يقول: كما أخزينا الذين اعتدوا في السبت من أسلافكم. (41) قيل ذلك على وجه الخطاب في قوله: آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ، كما قال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا (سورة يونس: 22). (42) وقد يحتمل أن يكون معناه: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ، أو نلعن أصحاب الوجوه = فجعل " الهاء والميم " في قوله: " أو نلعنهم "، من ذكر أصحاب الوجوه، إذ كان في الكلام دلالة على ذلك: وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: 9726 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلى قوله: " أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت "، أي: نحوّلهم قردة. 9727 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن: " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، يقول: أو نجعلهم قردة. 9728 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، أو نجعلهم قردة. 9729 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت "، قال: هم يهود جميعًا، نلعن هؤلاء كما لعنّا الذين لعنّا منهم من أصحاب السبت. (43)
وأما قوله: " وكان أمر الله مفعولا "، فإنه يعني: وكان جميع ما أمر الله أن يكون، كائنًا مخلوقًا موجودًا، لا يمتنع عليه خلق شيء شاء خَلْقه. و " الأمر " في هذا الموضع: المأمور = سمي" أمر الله "، لأنه عن أمره كان وبأمره. والمعنى: وكان ما أمر الله مفعولا. ---------------- الهوامش : (24) الأثر: 9714 -"أبو العالية ، إسماعيل بن الهيثم العبدي" ، لم نجده ، وانظر ما سلف رقم: 9365 ، 9366. و"أبو قتيبة" هو: سلم بن قتيبة ، مضت ترجمته برقم: 1899 ، 1924 ، 9365. (25) في المطبوعة ، أسقط: "بل". (26) في المطبوعة: "عن الصراط الحق" ، أسقط"عن" الثانية. (27) في المطبوعة: "بدءًا من الشام" ، وأثبت في المخطوطة ، وكلتاهما صواب. و"بديًا" ، في بدء أمرهم. وتفسير"الوجوه" هنا: النواحي. (28) هو الفراء في معاني القرآن 1: 272. (29) السياق: ثم حذرهم... بأسه وسطوته... (30) في المطبوعة: "كما يدل عليه" ، وفيه خطأ ، وفي المخطوطة: "كما يدل على" وفيه خطآن. والصواب ما أثبت. (31) في المطبوعة: "من الوجوه التي ذكرت ، دليل يجب التسليم له" ، زاد فيما كان في المخطوطة لتستقيم الجملة ، وكان فيها: "من الوجوه التي يجب التسليم له" والأمر أهون من ذلك ، أخطأ فكتب"التي" مكان"الذي" ، وهو حق السياق. (32) سلف البيت وتخريجه في 4: 424 ، تعليق: 4. (33) في المطبوعة: "الذي قد تعفى ما بين جفني..." حذف"غر" ، لأنه لم يحسن قراءتها ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وانظر شرح أبي جعفر لكلمة"غر" ، والتعليق عليه بعد. (34) في المطبوعة: (العراسق الذي بين الخفين) ، واستدرك عليه الناشر الأول ، وكتب فيه خلطًا شديدًا ، نقله عنه آخرون!! وأما المخطوطة التي لم يحسن الناشر قراءتها فكان فيها: العرالسق الذي بين الخفين" كله غير منقوط ، وصوابه قراءته ما أثبت. وأصل ذلك أن"الغر" (بفتح الغين وتشديد الراء) هو الشق في الأرض. و"الغر" أيضًا: الكسر يكون في الثوب ، والغضون في الجلد ، وهو مكاسر الجلد ، ومنه قليل: "اطو الثوب على غره" أي على كسره. وقد جاءت هذه الكلمة في تفسير أبي جعفر 23: 17 ، 18 مصحفة بالزاي: "والطمس على العين هو أن لا يكون بين جفني العين (غز) ، وذلك هو الشق الذي بين الجفنين". وانظر شرح ابن إسحاق في سيرته 2: 210: "المطموس العين: الذي ليس بين جفنيه شق". فتبين من هذا صحة قراءتنا وصوابها ، وخلط من لا يحسن أن يخلط ، فضلا عن أن يصيب!! (35) "كان" هنا تامة ، بمعنى: وقع وحدث. (36) في المطبوعة والمخطوطة: "أسد بن سعية" وعند ابن إسحاق: "أسيد بن سعية" (بفتح الألف وكسر السين). والاختلاف في اسمه واسم أبيه كثير. (37) لم أجد"مخيرق" في غير هذا الموضع ، وهو في سائر الكتب وفي ترجمته"مخيريق" ، والاختلاف في أسماء بني إسرائيل كثير. فتركته على حاله هنا ، لأنه هكذا ثبت في المخطوطة. (38) في المخطوطة: "الذي حكم به لحق" ، وفي هامش النسخة بخط عتيق: "الصواب: بعثت" ، وأخطأ من كتب ، فالصواب ما في المطبوعة ، وهو نص سيرة ابن هشام. (39) الأثر 9724 - سيرة ابن هشام 2: 209 ، وهو تابع الأثر السالف: 9689 ، 9690. (40) يعني"كعب الأحبار". (41) انظر تفسير"اللعنة" فيما سلف قريبًا ص: 439 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك. (42) انظر ما سلف 1: 154 / 3: 304 ، 305 / 6: 238 ، 464 ، ومواضع أخرى كثيرة فيما سلف. (43) انظر خبر"أصحاب السبت" فيما سلف 2: 166 - 175.

الآية 47 من سورة النِّسَاء باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (47) - Surat An-Nisa

O you who were given the Scripture, believe in what We have sent down [to Muhammad], confirming that which is with you, before We obliterate faces and turn them toward their backs or curse them as We cursed the sabbath-breakers. And ever is the decree of Allah accomplished

الآية 47 من سورة النِّسَاء باللغة الروسية (Русский) - Строфа (47) - Сура An-Nisa

О те, кому было дано Писание! Уверуйте в то, что Мы ниспослали в подтверждение того, что есть у вас, пока Мы не стерли ваши лица и не повернули их назад, пока Мы не прокляли вас, как прокляли тех, которые нарушили субботу. Веление Аллаха непременно исполняется

الآية 47 من سورة النِّسَاء باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (47) - سوره النِّسَاء

اے وہ لوگو جنہیں کتاب دی گئی تھی! مان لو اُس کتاب کو جو ہم نے اب نازل کی ہے اور جو اُس کتاب کی تصدیق و تائید کرتی ہے جو تمہارے پاس پہلے سے موجود تھی اس پر ایمان لے آؤ قبل اس کے کہ ہم چہر ے بگاڑ کر پیچھے پھیر دیں یا ان کو اسی طرح لعنت زدہ کر دیں جس طرح سبت والوں کے ساتھ ہم نے کیا تھا، اور یاد رکھو کہ اللہ کا حکم نافذ ہو کر رہتا ہے

الآية 47 من سورة النِّسَاء باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (47) - Ayet النِّسَاء

Ey Kitap verilenler! Yüzleri silip arkaya çevirerek enseler gibi dümdüz yapmadan, yahut cumartesi güncüleri lanetlediğimiz gibi lanetlemeden önce, yanınızdakini tasdik ederek indirdiğimiz Kuran'a inanın; Allah'ın emri daima yapılagelmiştir

الآية 47 من سورة النِّسَاء باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (47) - versículo النِّسَاء

¡Oh, Gente del Libro! Crean en lo que he revelado ahora, que confirma lo que ya tenían [de la verdad], antes de que borre los rasgos de su identidad y terminen en su propia perdición, o los maldiga como maldije a los que profanaron el sábado. Lo que Dios dispone es ineludible