مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة والثامنة والخمسين (١٥٨) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة والثامنة والخمسين من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨

الأستماع الى الآية المئة والثامنة والخمسين من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 158 من سورة البَقَرَة

(إِنَّ) حرف مشبه بالفعل. (الصَّفا) اسمها منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر. (وَالْمَرْوَةَ) معطوف على الصفا. (مِنْ شَعائِرِ) متعلقان بمحذوف خبر إنّ والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه. (فَمَنْ) الفاء استئنافية من اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (حَجَّ) فعل ماض وهو في محل جزم فعل الشرط والفاعل هو يعود على من. (الْبَيْتَ) مفعول به. (أَوِ اعْتَمَرَ) أو حرف عطف اعتمر فعل ماض معطوف على سابقه والفاعل هو. (فَلا) الفاء رابطة لجواب الشرط لا نافية للجنس تعمل عمل إنّ. (جُناحَ) اسمها مبني على الفتح. (عَلَيْهِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لا. (إِنَّ) حرف مصدري ونصب. (يَطَّوَّفَ) مضارع منصوب وأن والفعل في تأويل المصدر في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمصدر جناح. (بِهِما) جار ومجرور متعلقان بيطوف. وجملة: (فلا جناح) في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من. (وَمَنْ تَطَوَّعَ) الواو عاطفة وهي مثل إعراب من حج. (خَيْرًا) منصوب بنزع الخافض تقديره من تطوع بخير. (فَإِنَّ) الفاء رابطة لجواب الشرط. (إن اللَّهِ) إن ولفظ الجلالة اسمها. (شاكِرٌ عَلِيمٌ) خبران لإن وجملة (فَإِنَّ اللَّهَ) في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (158) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (24) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (2) ، وهي الآية رقم (165) من أصل 6236 آية في القرآن الكريم

مواضيع مرتبطة بالآية (11 موضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 158 من سورة البَقَرَة

شعائر الله : معالم دينه في الحجّ و العمرة ، اعتمر : زار البيت المعظّم على الوجه المشروع ، فلا جناح عليه : فلا إثم عليه ، يطّوّف بهما : يدور بهما و يسعى بينهما

الآية 158 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ﴿١٥٨

تفسير الآية 158 من سورة البَقَرَة

إن الصفا والمروة- وهما جبلان صغيران قرب الكعبة من جهة الشرق- من معالم دين الله الظاهرة التي تعبَّد الله عباده بالسعي بينهما. فمَن قصد الكعبة حاجًّا أو معتمرًا، فلا إثم عليه ولا حرج في أن يسعى بينهما، بل يجب عليه ذلك، ومن فعل الطاعات طواعية من نفسه مخلصًا بها لله تعالى، فإن الله تعالى شاكر يثيب على القليل بالكثير، عليم بأعمال عباده فلا يضعها، ولا يبخس أحدًا مثقال ذرة.

(إن الصفا والمروة) جبلان بمكة (من شعائر الله) أعلام دينه جمع شعيرة (فمن حج البيت أو اعتمر) أي تلبس بالحج أو العمرة وأصلهما القصد والزيارة (فلا جناح عليه) إثم عليه (أن يطوف) فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء (بهما) بأن يسعى بينهما سبعا، نزلت لما كره المسلمون ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعليهما صنمان يمسحونهما، وعن ابن عباس أن السعي غير فرض لما أفاده رفع الإثم من التخيير وقال الشافعي وغيره ركن، وبين ﷺ فرضيته بقوله "" إن الله كتب عليكم السعي "" رواه البيهقي وغيره "" وقال ابدءوا بما بدأ الله به "" يعني الصفا رواه مسلم (ومن تطوع) وفي قراءة بالتحتية وتشديد الطاء مجزوما وفيه إدغام التاء فيها (خيرا) أي بخير أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره (فإن الله شاكر) لعمله بالإثابة عليه (عليم) به.

يخبر تعالى أن الصفا والمروة وهما معروفان ( مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) أي أعلام دينه الظاهرة, التي تعبد الله بها عباده, وإذا كانا من شعائر الله, فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) فدل مجموع النصين أنهما من شعائر الله, وأن تعظيم شعائره, من تقوى القلوب. والتقوى واجبة على كل مكلف, وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة, كما عليه الجمهور, ودلت عليه الأحاديث النبوية وفعله النبي ﷺ وقال: " خذوا عني مناسككم " ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما, لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام، فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم, لا لأنه غير لازم. ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة, أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت, فإنه يشرع مع العمرة والحج, وهو عبادة مفردة. فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة, ورمي الجمار فإنها تتبع النسك، فلو فعلت غير تابعة للنسك, كانت بدعة, لأن البدعة نوعان: نوع يتعبد لله بعبادة, لم يشرعها أصلا، ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة, فتفعل على غير تلك الصفة, وهذا منه. وقوله: ( وَمَنْ تَطَوَّعَ ) أي: فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى ( خَيْرًا ) من حج وعمرة, وطواف, وصلاة, وصوم وغير ذلك ( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) فدل هذا, على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله, ازداد خيره وكماله, ودرجته عند الله, لزيادة إيمانه. ودل تقييد التطوع بالخير, أن من تطوع بالبدع, التي لم يشرعها الله ولا رسوله, أنه لا يحصل له إلا العناء, وليس بخير له, بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل. ( فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) الشاكر والشكور, من أسماء الله تعالى, الذي يقبل من عباده اليسير من العمل, ويجازيهم عليه, العظيم من الأجر, الذي إذا قام عبده بأوامره, وامتثل طاعته, أعانه على ذلك, وأثنى عليه ومدحه, وجازاه في قلبه نورا وإيمانا, وسعة, وفي بدنه قوة ونشاطا, وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء, وفي أعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك, يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا, لم تنقصه هذه الأمور. ومن شكره لعبده, أن من ترك شيئا لله, أعاضه الله خيرا منه، ومن تقرب منه شبرا, تقرب منه ذراعا, ومن تقرب منه ذراعا, تقرب منه باعا, ومن أتاه يمشي, أتاه هرولة, ومن عامله, ربح عليه أضعافا مضاعفة. ومع أنه شاكر, فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل, بحسب نيته وإيمانه وتقواه, ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد, فلا يضيعها, بل يجدونها أوفر ما كانت, على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.

قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قلت : أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قلت : فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية ، التي كانوا يعبدونها عند المشلل


وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله ﷺ ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية
فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) إلى قوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله ﷺ الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما
أخرجاه في الصحيحين . وفي رواية عن الزهري أنه قال : فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال : إن هذا العلم ، ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إن الناس إلا من ذكرت عائشة كانوا يقولون : إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية
وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء . ورواه البخاري من حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بنحو ما تقدم
ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة قال : كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) . وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كله ، وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله ﷺ ، عن الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية
وقال الشعبي : كان إساف على الصفا ، وكانت نائلة على المروة ، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية
قلت : وذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين ، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلما طال عهدهما عبدا ، ثم حولا إلى الصفا والمروة ، فنصبا هنالك ، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب ، في قصيدته المشهورة : وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل وفي صحيح مسلم ( من ) حديث جابر الطويل ، وفيه : أن رسول الله ﷺ لما فرغ من طوافه بالبيت ، عاد إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من باب الصفا ، وهو يقول : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ثم قال : " أبدأ بما بدأ الله به "
وفي رواية النسائي : " ابدءوا بما بدأ الله به " . وقال الإمام أحمد : حدثنا شريح ، حدثنا عبد الله بن المؤمل ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن صفية بنت شيبة ، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : رأيت رسول الله ﷺ يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه ، وهو وراءهم ، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : " اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي " . ثم رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة ، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي ﷺ بين الصفا والمروة يقول : " كتب عليكم السعي ، فاسعوا " . وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج ، كما هو مذهب الشافعي ، ومن وافقه ( ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك )
وقيل : إنه واجب ، وليس بركن ( فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم وهو رواية عن أحمد وبه تقول طائفة وقيل : بل مستحب ، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي وابن سيرين ، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس ، وحكي عن مالك في العتبية ، قال القرطبي : واحتجوا بقوله : ( فمن تطوع خيرا ) )
وقيل : بل مستحب
والقول الأول أرجح ، لأنه عليه السلام طاف بينهما ، وقال : " لتأخذوا عني مناسككم "
فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج ، إلا ما خرج بدليل ، والله أعلم ( وقد تقدم قوله عليه السلام : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ) . فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، أي : مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج ، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها ، لما نفد ماؤها وزادها ، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحد من الناس ، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك ، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله ، عز وجل ، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله ، عز وجل ، حتى كشف الله كربتها ، وآنس غربتها ، وفرج شدتها ، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم ، وشفاء سقم ، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه ، وأن يلتجئ إلى الله ، عز وجل ، ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته ، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي ، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة ، كما فعل بهاجر عليها السلام . وقوله : ( فمن تطوع خيرا ) قيل : زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك
وقيل : يطوف بينهما في حجة تطوع ، أو عمرة تطوع
وقيل : المراد تطوع خيرا في سائر العبادات
حكى ذلك ( فخر الدين ) الرازي ، وعزى الثالث إلى الحسن البصري ، والله أعلم
وقوله : ( فإن الله شاكر عليم ) أي : يثيب على القليل بالكثير ) عليم ) بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و ( لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) ( النساء : 40 ) .

إن الصفا والمروة من شعائر الله القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) والصفا : جمع صفاة , وهي الصخرة الملساء , ومنه قول الطرماح : أبى لي ذو القوى والطول ألا يؤبس حافر أبدا صفاتي وقد قالوا إن الصفا واحد , وأنه يثنى صفوان ويجمع أصفاء وصفيا وصفيا ; واستشهدوا على ذلك بقول الراجز : كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي وقالوا : هو نظير عصا وعصي ورحا ورحي وأرحاء . وأما المروة فإنها الحصاة الصغيرة يجمع قليلها مروات , وكثيرها المرو مثل تمرة وتمرات وتمر . قال الأعشى ميمون بن قيس : وترى بالأرض خفا زائلا فإذا ما صادف المرو رضح يعني بالمرو : الصخر الصغار . ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي : حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم تقرع ويقال " المشقر " . وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : ( إن الصفا والمروة ) في هذا الموضع : الجبلين المسميين بهذين الاسمين اللذين في حرمه دون سائر الصفا والمرو ; ولذلك أدخل فيهما الألف واللام , ليعلم عباده أنه عنى بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين دون سائر الصفا والمرو . وأما قوله : ( من شعائر الله ) فإنه يعني من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلما ومشعرا يعبدونه عندها , إما بالدعاء وإما بالذكر وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها ; ومنه قول الكميت : نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب وكان مجاهد يقول في الشعائر بما : 1935 - حدثني به محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قال : من الخبر الذي أخبركم عنه * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله . فكأن مجاهدا كان يرى أن الشعائر إنما هو جمع شعيرة من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة وما عليهم في الطواف بهما , فمعناه إعلامهم ذلك ; وذلك تأويل من المفهوم بعيد . وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم , وأمر بها خليله إبراهيم ﷺ , إذ سأله أن يريه مناسك الحج . وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر , فإنه مراد به الأمر لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدا ﷺ باتباع ملة إبراهيم عليه السلام فقال له : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) 16 123 وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماما لمن بعده . فإذا كان صحيحا أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج , فمعلوم أن إبراهيم ﷺ قد عمل به وسنه لمن بعده , وقد أمر نبينا ﷺ أمته باتباعه فعليهم العمل بذلك على ما بينه رسول الله ﷺ .فمن حج البيت أو اعتمر القول في تأويل قوله تعالى : ( فمن حج البيت أو اعتمر ) يعني تعالى ذكره : ( فمن حج البيت ) فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء , وكذلك كل من أكثر الاختلاف إلى شيء فهو حاج إليه ; ومنه قول الشاعر : وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون بيت الزبرقان المزعفرا يعني بقوله يحجون : يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته . وإنما قيل للحاج حاج لأنه يأتي البيت قبل التعريف ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف , ثم ينصرف عنه إلى منى , ثم يعود إليه لطواف الصدر , فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له حاج . وأما المعتمر فإنما قيل له معتمر لأنه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه . وإنما يعني تعالى ذكره بقوله : ( أو اعتمر ) أو اعتمر البيت , ويعني بالاعتمار الزيارة , فكل قاصد لشيء فهو له معتمر ومنه قول العجاج : لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر يعني بقوله " حين اعتمر " : حين قصده وأمه .فلا جناح عليه أن يطوف بهما القول في تأويل قوله تعالى : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . يعني تعالى ذكره بقوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) يقول : فلا حرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما . فإن قال قائل : وما وجه هذا الكلام , وقد قلت لنا إن قوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف , ثم يقال : لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج والأمر بالطواف بهما , والترخيص في الطواف بهما غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟ قيل : إن ذلك بخلاف ما إليه ذهب , وإنما معنى ذلك عند أقوام أن النبي ﷺ لما اعتمر عمرة القضية تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما فقالوا : وكيف نطوف بهما , وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحد ذلك , لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما , وقد جاء الله بالإسلام اليوم ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له . فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) يعني أن الطواف بهما , فترك ذكر الطواف بهما اكتفاء بذكرهما عنه . وإذ كان معلوما عند المخاطبين به أن معناه : من معالم الله التي جعلها علما لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر , فمن حج البيت أو اعتمر فلا يتخوفن الطواف بهما , من أجل ما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما , من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما , فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرا , وأنتم تطوفون بهما إيمانا وتصديقا لرسولي وطاعة لأمري , فلا جناح عليكم في الطواف بهما . والجناح : الإثم . كما : 1936 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) يقول : ليس عليه إثم ولكن له أجر . وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين . ذكر الأخبار التي رويت بذلك : 1937 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا داود , عن الشعبي : أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إسافا , ووثنا على المروة يسمى نائلة ; فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين ; فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان , قال المسلمون : إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين , وليس الطواف بهما من الشعائر . قال : فأنزل الله : إنهما من الشعائر ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) 1938 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عامر , قال : كان صنم بالصفا يدعى إسافا , ووثن بالمروة يدعى نائلة . ثم ذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب وزاد فيه , قال : فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه , وأنث المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثا . 1939 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن داود بن أبي هند , عن الشعبي , وذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب , عن يزيد , وزاد فيه قال : فجعله الله تطوع خير . 1940 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : أخبرني عاصم الأحول , قال : قلت لأنس بن مالك : أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ؟ فقال : نعم كنا نكره الطواف بينهما لأنهما من شعائر الجاهلية حتى نزلت هذه الآية : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) * - حدثني علي بن سهل الرملي , قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة , فقال : كانتا من مشاعر الجاهلية , فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما , فنزلت : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) 1941 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث , قال : حدثني أبو الحسين المعلم , قال : ثنا سنان أبو معاوية , عن جابر الجعفي , عن عمرو بن حبشي , قال : قلت لابن عمر : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال : انطلق إلى ابن عباس فاسأله , فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد ﷺ ! فأتيته فسألته , فقال : إنه كان عندهما أصنام , فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) 1942 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة , فأخبر الله أنهما من شعائره , والطواف بينهما أحب إليه , فمضت السنة بالطواف بينهما . 1943 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال : زعم أبو مالك عن ابن عباس أنه كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة , وكانت بينهما آلهة , فلما جاء الإسلام وظهر قال المسلمون : يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة , فإنه شرك كنا نفعله في الجاهلية ! فأنزل الله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) 1944 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قال : قالت الأنصار : إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . فأنزل الله تعالى ذكره : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحوه . 1945 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال : كان أهل الجاهلية قد وضعوا على كل واحد منهما صنما يعظمونهما ; فلما أسلم المسلمون كرهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين , فقال الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وقرأ : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) 22 32 وسن رسول الله ﷺ الطواف بهما . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , قال قلت لأنس : الصفا والمروة أكنتم تكرهون أن تطوفوا بهما مع الأصنام التي نهيتم عنها ؟ قال : نعم حتى نزلت : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , قال : أخبرنا عاصم , قال : سمعت أنس بن مالك يقول : إن الصفا والمروة من مشاعر قريش في الجاهلية , فلما كان الإسلام تركناهما . وقال آخرون : بل أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية في سبب قوم كانوا في الجاهلية لا يسعون بينهما فلما جاء الإسلام تخوفوا السعي بينهما كما كانوا يتخوفونه في الجاهلية . ذكر من قال ذلك : 1946 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية , فكان حي من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما , فأخبرهم الله أن الصفا والمروة من شعائر الله , وكان من سنة إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة , فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) 1947 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث , قال : حدثني عقيل , عن ابن شهاب , قال : حدثني عروة بن الزبير , قال : سألت عائشة فقلت لها : أرأيت قول الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ؟ وقلت لعائشة : والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ! فقالت عائشة : بئس ما قلت يا ابن أختي , إن هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما , ولكنها إنما أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون بالمشلل وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة , فلما سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ; أنزل الله تعالى ذكره : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله ﷺ الطواف بينهما , فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما 1948 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , عن عروة , عن عائشة , قالت : كان رجال من الأنصار ممن يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة , قالوا : يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة , فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة , قال الله : ( فلا جناح عليه ) قالت : يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ؟ قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , فقال : هذا العلم ! قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة , قيل للنبي ﷺ : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة , وإن الله قد ذكر الطواف بالبيت , ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية كلها . قال أبو بكر : فأسمع أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما فيمن طاف وفيمن لم يطف . 1949 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا معمر عن قتادة , قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة , فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله , كما جعل الطواف بالبيت من شعائره . فأما قوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فجائز أن يكون قيل لكلا الفريقين اللذين تخوف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما الشعبي , وبعضهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية على ما روي عن عائشة . وأي الأمرين كان من ذلك فليس في قول الله تعالى ذكره : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) الآية , دلالة على أنه عنى به وضع الحرج عمن طاف بهما , من أجل أن الطواف بهما كان غير جائز بحظر الله ذلك ثم جعل الطواف بهما رخصة لإجماع الجميع , على أن الله تعالى ذكره لم يحظر ذلك في وقت , ثم رخص فيه بقوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . وإنما الاختلاف في ذلك بين أهل العلم على أوجه ; فرأى بعضهم أن تارك الطواف بينهما تارك من مناسك حجه ما لا يجزيه منه غير قضائه بعينه , كما لا يجزي تارك الطواف الذي هو طواف الإفاضة إلا قضاؤه بعينه , وقالوا : هما طوافان أمر الله بأحدهما بالبيت , والآخر بين الصفا والمروة . ورأى بعضهم أن تارك الطواف بهما يجزيه من تركه فدية , ورأوا أن حكم الطواف بهما حكم رمي بعض الجمرات , والوقوف بالمشعر , وطواف الصدر , وما أشبه ذلك مما يجزي تاركه من تركه فدية ولا يلزمه العود لقضائه بعينه . ورأى آخرون أن الطواف بهما تطوع , إن فعله صاحبه كان محسنا , وإن تركه تارك لم يلزمه بتركه شيء . والله تعالى أعلم . ذكر من قال : إن السعي بين الصفا والمروة واجب ولا يجزي منه فدية ومن تركه فعليه العودة . 1950 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة قالت : لعمري ما حج من لم يسع بين الصفا والمروة , لأن الله قال : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) 1951 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال مالك بن أنس : من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد من مكة فليرجع فليسع , وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي . وكان الشافعي يقول : على من ترك السعي بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده العود إلى مكة حتى يطوف بينهما لا يجزيه غير ذلك . حدثنا بذلك عنه الربيع . ذكر من قال : يجزي منه دم وليس عليه عود لقضائه : قال الثوري بما : 1952 - حدثني به علي بن سهل , عن زيد بن أبي الزرقاء عنه , وأبو حنيفة , وأبو يوسف , ومحمد : إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن , وإن لم يعد فعليه دم . ذكر من قال : الطواف بينهما تطوع ولا شيء على من تركه , ومن كان يقرأ : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) 1953 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا ابن جريج , قال : قال عطاء : لو أن حاجا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة فطاف بالبيت ولم يسع , فأصابها - يعني امرأته - لم يكن عليه شيء , لا حج ولا عمرة ; من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود : " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " فعاودته بعد ذلك , فقلت : إنه قد ترك سنة النبي ﷺ , قال : ألا تسمعه يقول : فمن تطوع خيرا فأبى أن يجعل عليه شيئا ؟ 1954 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك , عن عطاء , عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية , ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) 1955 - حدثني علي بن سهل , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , قال سمعت أنسا يقول : الطواف بينهما تطوع . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا عاصم الأحول , قال : قال أنس بن مالك : هما تطوع . 1956 - حدثني محمد بن عمرو : قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحوه . 1957 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قال : فلم يحرج من لم يطف بهما . 1958 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حجاج قال : ثنا أحمد , عن عيسى بن قيس , عن عطاء , عن عبد الله بن الزبير , قال : هما تطوع * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم , قال : قلت لأنس بن مالك : السعي بين الصفا والمروة تطوع ؟ قال : تطوع . والصواب من القول في ذلك عندنا أن الطواف بهما فرض واجب , وأن على من تركه العود لقضائه ناسيا كان أو عامدا لأنه لا يجزيه غير ذلك , لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه حج بالناس فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما . ذكر الرواية عنه بذلك : 1959 - حدثني يوسف بن سلمان , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن جابر قال : لما دنا رسول الله ﷺ من الصفا في حجه , قال : " ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ابدءوا بما بدأ الله بذكره " فبدأ بالصفا فرقي عليه . 1960 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا محمود بن ميمون أبو الحسن , عن أبي بكر بن عياش , عن ابن عطاء عن أبيه , عن ابن عباس : أن النبي ﷺ قال : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) , فأتى الصفا فبدأ بها , فقام عليها ثم أتى المروة فقام عليها وطاف وسعى . فإذا كان صحيحا بإجماع الجميع من الأمة أن الطواف بهما على تعليم رسول الله ﷺ أمته في مناسكهم وعمله في حجه وعمرته , وكان بيانه ﷺ لأمته جمل ما نص الله في كتابه وفرضه في تنزيله , وأمر به مما لم يدرك علمه إلا ببيانه لازما العمل به أمته كما قد بينا في كتابنا " كتاب البيان عن أصول الأحكام " إذا اختلفت الأمة في وجوبه , ثم كان مختلفا في الطواف بينهما هل هو واجب أو غير واجب ; كان بينا وجوب فرضه على من حج أو اعتمر لما وصفنا , وكذلك وجوب العود لقضاء الطواف بين الصفا والمروة , لما كان مختلفا فيما على من تركه مع إجماع جميعهم , على أن ذلك مما فعله رسول الله ﷺ وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم إذ علمهم مناسك حجهم , كما طاف بالبيت وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم , إذ علمهم مناسك حجهم وعمرتهم , وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا بدل , ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه ; كان نظيرا له الطواف بالصفا والمروة , ولا تجزي منه فدية ولا جزاء , ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه , إذ كانا كلاهما طوافين أحدهما بالبيت والآخر بالصفا والمروة . ومن فرق بين حكمهما عكس عليه القول فيه , ثم سئل البرهان على التفرقة بينهما , فإن اعتل بقراءة من قرأ : " فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " قيل : ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين غير جائز لأحد أن يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها . وسواء قرأ ذلك كذلك قارئ , أو قرأ قارئ : ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) 22 29 فلا جناح عليهم أن لا يطوفوا به . فإن جاءت إحدى الزيادتين اللتين ليستا في المصحف كانت الأخرى نظيرتها وإلا كان مجيز إحداهما إذا منع الأخرى متحكما , والتحكم لا يعجز عنه أحد . وقد روي إنكار هذه القراءة وأن يكون التنزيل بها عن عائشة . 1961 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك بن أنس , عن هشام بن عروة , عن أبيه قال : قلت لعائشة زوج النبي ﷺ وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : كلا لو كانت كما تقول كانت وفلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " , إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد , وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ; فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك , فأنزل الله : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) وقد يحتمل قراءة من قرأ : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) أن تكون " لا " التي مع " أن " صلة في الكلام , إذ كان قد تقدمها جحد في الكلام قبلها , وهو قوله : ( فلا جناح عليه ) فيكون نظير قول الله تعالى ذكره : ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) 7 12 بمعنى ما منعك أن تسجد , وكما قال الشاعر : ما كان يرضى رسول الله فعلهما والطيبان أبو بكر ولا عمر ولو كان رسم المصحف كذلك لم يكن فيه لمحتج حجة مع احتمال الكلام ما وصفنا لما بينا أن ذلك مما علم رسول الله ﷺ أمته في مناسكهم على ما ذكرنا , ولدلالة القياس على صحته , فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين , ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عز وجل ما ليس منه ؟ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة : ( ومن تطوع خيرا ) على لفظ المضي بالتاء وفتح العين . وقرأته عامة قراء الكوفيين : ( ومن يطوع خيرا ) بالياء وجزم العين وتشديد الطاء , بمعنى : ومن يتطوع . وذكر أنها في قراءة عبد الله : " ومن يتطوع " . فقرأ ذلك قراء أهل الكوفة على ما وصفنا اعتبارا بالذي ذكرنا من قراءة عبد الله سوى عاصم فإنه وافق المدنيين , فشددوا الطاء طلبا لإدغام التاء في الطاء . وكلتا القراءتين معروفة صحيحة متفق معنياهما غير مختلفين , لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل , فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب . ومعنى ذلك : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه , فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه فمجازيه به , عليم بما قصد وأراد بتطوعي بما تطوع به وإنما قلنا إن الصواب في معنى قوله : ( فمن تطوع خيرا ) هو ما وصفنا دون قول من زعم أنه معني به : فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة ; لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع لما وصفنا قبل ; وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة . وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب , فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم : فمن تطوع بالطواف بهما فإن الله شاكر ; لأن للحاج والمعتمر على قولهم الطواف بهما إن شاء وترك الطواف , فيكون معنى الكلام على تأويلهم : فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة , فإن الله شاكر تطوعه ذلك , عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك . كما : 1962 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) قال : من تطوع خيرا فهو خير له , تطوع رسول الله فكانت من السنن . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن تطوع خيرا فاعتمر . ذكر من قال ذلك : 1963 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) من تطوع خيرا فاعتمر فإن الله شاكر عليم ; قال : فالحج فريضة , والعمرة تطوع , ليست العمرة واجبة على أحد من الناس .

الآية 158 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (158) - Surat Al-Baqarah

Indeed, as-Safa and al-Marwah are among the symbols of Allah. So whoever makes Hajj to the House or performs 'umrah - there is no blame upon him for walking between them. And whoever volunteers good - then indeed, Allah is appreciative and Knowing

الآية 158 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (158) - Сура Al-Baqarah

Воистину, ас-Сафа и аль-Марва - одни из обрядовых знамений Аллаха. Кто совершает хадж к Каабе или малое паломничество, тот не совершит греха, если пройдет между ними. А если кто добровольно совершает доброе дело, то ведь Аллах - Признательный, Знающий

الآية 158 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (158) - سوره البَقَرَة

یقیناً صفا اور مَروہ، اللہ کی نشانیوں میں سے ہیں لہٰذا جو شخص بیت اللہ کا حج یا عمرہ کرے، اس کے لیے کوئی گناہ کی بات نہیں کہ وہ اِن دونوں پہاڑیوں کے درمیان سعی کر لے اور جو برضا و رغبت کوئی بھلائی کا کام کرے گا، اللہ کو اس کا علم ہے او ر وہ اس کی قدر کرنے والا ہے

الآية 158 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (158) - Ayet البَقَرَة

Şüphesiz Safa ile Merve Allah'ın nişanelerindendir. Kim Kabe'yi hacceder veya umre yaparsa, bu ikisini de tavaf etmesinde bir beis yoktur. Kim gönülden iyilik yaparsa, karşılığını görür. Doğrusu Allah şükrün karşılığını verendir ve bilendir

الآية 158 من سورة البَقَرَة باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (158) - versículo البَقَرَة

[El recorrido entre los montes de] As-Safa y Al-Marwah es un rito establecido por Dios. Quien realice la peregrinación mayor o la peregrinación menor a La Casa [Sagrada de La Meca] sepa que no incurre en falta por realizar el recorrido ritual entre ambas. Y quien voluntariamente haga el bien, sepa que Dios se lo recompensará, pues Él premia las buenas intenciones