مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة والسابعة عشرة (١١٧) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة والسابعة عشرة من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ﴿١١٧

الأستماع الى الآية المئة والسابعة عشرة من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 117 من سورة البَقَرَة

(بَدِيعُ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره اللّه بديع (السَّماواتِ) مضاف إليه. (وَالْأَرْضِ) معطوف. والجملة الاسمية اعتراضية لا محل لها. (وَإِذا) الواو عاطفة إذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه. (قَضى) فعل ماض مبني على الفتح منع من ظهوره التعذر والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. (أَمْرًا) مفعول به والجملة في محل جر بالإضافة. (فَإِنَّما) الفاء رابطة لجواب الشرط إنما كافة ومكفوفة لا محل لها. (يَقُولُ) فعل مضارع وفاعله هو. (لَهُ) جار ومجرور متعلقان بيقول والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم. (كُنْ) فعل أمر تام وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت. (فَيَكُونُ) الفاء استئنافية يكون فعل مضارع تام بمعنى يحدث وفاعله هو. والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف أي فهو يكون أو يحدث والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها. وجملة: (كن فيكون) مقول القول في محل نصب.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (117) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (18) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (1)

مواضيع مرتبطة بالآية (6 مواضع) :

الآية 117 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ﴿١١٧

تفسير الآية 117 من سورة البَقَرَة

والله تعالى هو خالق السموات والأرض على غير مثال سبق. وإذا قدَّر أمرًا وأراد كونه فإنما يقول له: "كن" فيكون.

(بديع السماوات والأرض) موجدهم لا على مثال سبق (وإذا قضى) أراد (أمرا) أي إيجاده (فإنما يقول له كن فيكون) أي فهو يكون وفى قراءة بالنصب جوابا للأمر.

ثم قال: ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي: خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق. ( وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) فلا يستعصى عليه, ولا يمتنع منه.

وقوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض ) أي : خالقهما على غير مثال سبق ، قال مجاهد والسدي : وهو مقتضى اللغة ، ومنه يقال للشيء المحدث : بدعة


كما جاء في الصحيح لمسلم : " فإن كل محدثة بدعة ( وكل بدعة ضلالة ) "
والبدعة على قسمين : تارة تكون بدعة شرعية ، كقوله : فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة
وتارة تكون بدعة لغوية ، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم : نعمت البدعة هذه . وقال ابن جرير : وبديع السماوات والأرض : مبدعهما
وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل ، كما صرف المؤلم إلى الأليم ، والمسمع إلى السميع
ومعنى المبدع : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد . قال : ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعا ; لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره ، وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا
ومن ذلك قول أعشى ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي : يدعى إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا أي : يحدث ما شاء . قال ابن جرير : فمعنى الكلام : فسبحان الله أنى يكون لله ولد ، وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه
وهذا إعلام من الله عباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح ، الذي أضافوا إلى الله بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته . وهذا من ابن جرير ، رحمه الله ، كلام جيد وعبارة صحيحة . وقوله تعالى : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه ، وأنه إذا قدر أمرا وأراد كونه ، فإنما يقول له : كن
أي : مرة واحدة ، فيكون ، أي : فيوجد على وفق ما أراد ، كما قال تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( يس : 82 ) وقال تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ( النحل : 40 ) وقال تعالى : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ) ( القمر : 50 ) ، وقال الشاعر : إذا ما أراد الله أمرا فإنما يقول له كن قولة فيكون ونبه تعالى بذلك أيضا على أن خلق عيسى بكلمة : كن ، فكان كما أمره الله ، قال ( الله ) تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) ( آل عمران : 59 ) .

القول في تأويل قوله تعالى : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (بديع السماوات والأرض) ، مبدعها.


وإنما هو " مُفْعِل " صرف إلى " فعيل " كما صرف " المؤلم " إلى " أليم " ، و " المسمع " إلى " سميع " . (32) ومعنى " المبدع " : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد. ولذلك سمي المبتدع في الدين " مبتدعا " ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره. وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا. ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة، (33) في مدح هَوْذَة بن علي الحنفي: يُـرعي إلـى قـول سادات الرجال إذا أبـدوا لـه الحزم , أو ما شاءه ابتدعا (34) أي يحدث ما شاء، ومنه قول رؤبة بن العجاج: فأيهــا الغاشــي القِـذَافَ الأتْيَعَـا إن كــنت للــه التقــي الأطوعـا فليس وجه الحق أن تَبَدَّعا (35) يعني: أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه.
فمعنى الكلام: سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السموات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه؟
وهذا إعلام من الله جل ثناؤه عباده ، أن مما يشهد له بذلك : المسيح، الذي أضافوا إلى الله جل ثناؤه بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته. (36) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 1858- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع: (بديع السماوات والأرض) ، يقول: ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد. 1859- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: (بديع السماوات والأرض) ، يقول: ابتدعها فخلقها ، ولم يُخلق قبلها شيء فيتمثل به . (37)
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله: (وإذا قضى أمرا) ، وإذا أحكم أمرا وحتمه. (38)
وأصل كل " قضاء أمر " الإحكام ، والفراغ منه. (39) ومن ذلك قيل للحاكم بين الناس: " القاضي" بينهم ، لفصله القضاء بين الخصوم ، وقطعه الحكم بينهم وفراغه منه به. (40) ومنه قيل للميت: " قد قضى " ، يراد به قد فرغ من الدنيا ، وفصل منها. ومنه قيل: " ما ينقضي عجبي من فلان " ، يراد: ما ينقطع. ومنه قيل: " تقضي النهار "، إذا انصرم، ومنه قول الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ (سورة الإسراء: 23) أي : فصل الحكم فيه بين عباده ، بأمره إياهم بذلك ، وكذلك قوله: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ (سورة الإسراء: 4) ، أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به ، ففرغنا إليهم منه. ومنه قول أبي ذؤيب: وعليهمــا مســرودتان, قضاهمـا داود أو صَنَـــعَ الســوابغِ تُبَّــعُ (41) ويروى: * وتعاورا مسرودتين قضاهما * (42) ويعني بقوله: " قضاهما "، أحكمهما. ومنه قول الآخر في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (43) قضيـت أمـورا ثـم غـادرت بعدها بَــوائِق فــي أكمامهـا لـم تَفَتَّـقِ (44) ويروى: " بوائج ". (45)
وأما قوله: (فإنما يقول له كن فيكون) ، فإنه يعني بذلك: وإذا أحكم أمرا فحتمه ، فإنما يقول لذلك الأمر " كن " ، فيكون ذلك الأمر على ما أمره الله أن يكون وأراده.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)؟ وفي أي حال يقول للأمر الذي يقضيه : " كن "؟ أفي حال عدمه ، وتلك حال لا يجوز فيها أمره ، (46) إذْ كان محالا أن يأمر إلا المأمور ، فإذا لم يكن المأمور استحال الأمر، ؛ وكما محالٌ الأمر من غير آمر ، فكذلك محال الأمر من آمر إلا لمأمور. (47) أم يقول له ذلك في حال وجوده ؟ = وتلك حال لا يجوز أمره فيها بالحدوث ، لأنه حادث موجود ، ولا يقال للموجود: " كن موجودا " إلا بغير معنى الأمر بحدوث عينه؟ قيل: قد تنازع المتأولون في معنى ذلك ، ونحن مخبرون بما قالوا فيه ، والعلل التي اعتل بها كل فريق منهم لقوله في ذلك: (48)
قال بعضهم: ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن أمره المحتوم - على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاء من خلقه الموجودين أنه إذا أمره بأمر نفذ فيه قضاؤه ، ومضى فيه أمره ، نظير أمره من أمر من بني إسرائيل بأن يكونوا قردة خاسئين ، وهم موجودون في حال أمره إياهم بذلك ، وحتم قضائه عليهم بما قضى فيهم ، وكالذي خسف به وبداره الأرض ، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه. فوجه قائلو هذا القول قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، إلى الخصوص دون العموم
. وقال آخرون: بل الآية عام ظاهرها ، فليس لأحد أن يحيلها إلى باطن بغير حجة يجب التسليم لها . (49) وقال: إن الله عالم بكل ما هو كائن قبل كونه. فلما كان ذلك كذلك ، كانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة لعلمه بها قبل كونها ، نظائر التي هي موجودة ، فجاز أن يقول لها: " كوني" ، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود ، لتصور جميعها له ، ولعلمه بها في حال العدم.
وقال آخرون: بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهرَ عمومٍ ، فتأويلها الخصوص، لأن الأمر غير جائز إلا لمأمور ، على ما وصفت قبل. قالوا: وإذ كان ذلك كذلك ، فالآية تأويلها: وإذا قضى أمرا من إحياء ميت ، أو إماتة حي ، ونحو ذلك ، فإنما يقول لحي: " كن ميتا ، أو لميت: كن حيا " ، وما أشبه ذلك من الأمر.
وقال آخرون: بل ذلك من الله عز وجل خبر عن جميع ما ينشئه ويكونه ، أنه إذا قضاه وخلقه وأنشأه ، كان ووجد - ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة ، إلا وجود المخلوق وحدوث المقضي - . وقالوا: إنما قول الله عز وجل: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)، نظير قول القائل: " قال فلان برأسه " و " قال بيده "، إذا حرك رأسه ، أو أومأ بيده ولم يقل شيئا، وكما قال أبو النجم: وقــالت للبَطْــنِ الْحَــقِ الحــق قِدْمًــا فــآضت كـالفَنِيقِ المحـنِق (50) ولا قول هنالك ، وإنما عنى أن الظهر قد لحق بالبطن. وكما قال عمرو بن حممة الدوسي: (51) فـأصبحت مثـل النسر طارت فراخه إذا رام تطيــارا يقــال لـه : قـعِ (52) ولا قول هناك ، وإنما معناه: إذا رام طيرانا وقع ، وكما قال الآخر: امتــلأ الحــوض وقـال: قطنـي ســلا رويـدا , قـد مـلأت بطنـي (53)
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، أن يقال: هو عام في كل ما قضاه الله وبرأه ، لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم ، وغير جائزة إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا: " كتاب البيان عن أصول الأحكام ". وإذ كان ذلك كذلك ، فأمر الله جل وعز لشيء إذا أراد تكوينه موجودا بقوله: (كن) في حال إرادته إياه مكوَّنا ، لا يتقدم وجود الذي أراد إيجاده وتكوينه، (54) إرادته إياه ، ولا أمره بالكون والوجود ، ولا يتأخر عنه. (55) فغير جائز أن يكون الشيء مأمورا بالوجود مرادا كذلك إلا وهو موجود ، ولا أن يكون موجودا إلا وهو مأمور بالوجود مراد كذلك. ونظير قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (سورة الروم: 25) بأن خروج القوم من قبورهم لا يتقدم دعاء الله ، ولا يتأخر عنه.
ويسألُ من زعم أن قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) خاص في التأويل اعتلالا بأن أمر غير الموجود غير جائز ، (56) عن دعوة أهل القبور قبل خروجهم من قبورهم ، أم بعده؟ أم هي في خاص من الخلق؟ فلن يقول في ذلك قولا إلا أُلزم في الآخر مثله. ويسألُ الذين زعموا أن معنى قوله جل ثناؤه: (فإنما يقول له كن فيكون) ، نظير قول القائل: " قال فلان برأسه أو بيده " ، إذا حركه وأومأ ، ونظير قول الشاعر: (57) تقــول إذا درأت لهــا وضينـي : أهـــذا دينـــه أبــدا ودينــي (58) وما أشبه ذلك-: فإنهم لا صواب اللغة أصابوا ، ولا كتاب الله ، وما دلت على صحته الأدلة اتبعوا - فيقال لقائلي ذلك: إن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه إذا قضى أمرا قال له: " كن " ، أفتنكرون أن يكون قائلا ذلك؟ فإن أنكروه كذبوا بالقرآن ، وخرجوا من الملة . وإن قالوا: بل نقر به ، ولكنا نـزعم أن ذلك نظير قول القائل: " قال الحائط فمال " ولا قول هنالك ، وإنما ذلك خبر عن ميل الحائط. قيل لهم: أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول: إنما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل؟ فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب ، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها. وإن قالوا: ذلك غير جائز . قيل لهم: إن الله تعالى ذكره أخبرهم عن نفسه أن قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون ، فأعلم عباده قوله الذي يكون به الشيء ووصفه ووكده. وذلك عندكم غير جائز في العبارة عما لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل: " قال الحائط فمال "، فكيف لم يعلموا بذلك فرق ما بين معنى قول الله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، وقول القائل: " قال الحائط فمال "؟ وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله.
وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود ، فبَيِّنٌ بذلك أن الذي هو أولى بقوله: (فيكون) (59) الرفع على العطف على قوله (60) (يقول) لأن " القول " و " الكون " حالهما واحد. وهو نظير قول القائل: " تاب فلان فاهتدى "، و " اهتدى فلان فتاب "، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد ، ولا مهتديا إلا وهو تائب. فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود ، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود. ولذلك استجاز من استجاز نصب " فيكون " من قرأ: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (النحل: 40) ، بالمعنى الذي وصفنا على معنى: أن نقول فيكونَ. وأما رفع من رفع ذلك ، (61) فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله: إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ . إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا ، ثم ابتدأ بقوله: فيكون ، كما قال جل ثناؤه: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ، (سورة الحج: 5) وكما قال ابن أحمر: يعــالج عــاقرا أعيــت عليــه ليُلْقِحَهـــا فيَنْتِجُهـــا حُـــوارا (62) يريد: فإذا هو يَنتجها حُوارا.
فمعنى الآية إذًا: وقالوا اتخذ الله ولدا ، سبحانه أن يكون له ولد! بل هو مالك السموات والأرض وما فيهما ، كل ذلك مقر له بالعبودية بدلالته على وحدانيته. وأنى يكون له ولد ، وهو الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل ، كالذي ابتدع المسيح من غير والد بمقدرته وسلطانه ، الذي لا يتعذر عليه به شيء أراده! بل إنما يقول له إذا قضاه فأراد تكوينه: " كن " ، فيكون موجودا كما أراده وشاءه. فكذلك كان ابتداعه المسيح وإنشاؤه ، إذْ أراد خلقه من غير والد. ----------------- الهوامش : (34) سلف تخريجه في هذا الجزء : 2 : 464 . (35) ديوانه : 87 ، واللسان (بدع) من رجز طويل يفخر فيه برهطه بني تميم . ورواية الديوان"القذاف الأتبعا" ، وليس لها معنى يدرك ، ورواية الطبري لها مخرج في العربية . "الغاشي" من قولهم : غشي الشيء : أي قصده وباشره أو نزل به . والقذاف : سرعة السير والإبعاد فيه ، أو كأنه أراد الناحية البعيدة ، وإن لم أجده في كتب العربية . والأتيع : لم أجده في شيء ، ولعله أخذه من قولهم : تتايع القوم في الأرض : إذا تباعدوا فيها على عمى وشدة . يقول : يا أيها الذاهب في المسالك البعيدة عن سنن الطريق- يعني به : من ابتدع من الأمور ما لا عهد للناس به ، فسلك في ابتداعه المسالك الغريبة . (36) نقل ابن كثير في تفسيره 1 : 294 ، عبارة الطبري ثم قال : "وهذا من ابن جرير رحمه الله كلام جيد ، وعبارة صحيحة" ، فاستحسن ابن كثير ما خف محمله ، ولكن ما ثقل عليه آنفًا (انظر ص : 522 تعليق : 1) كان مثارا لاعتراضه ، مع أنه أعلى وأجود وأدق وألطف ، وأصح عبارة ، وأعمق غورا . وهذا عجب من العجب فيما ناله ابن جرير من قلة معرفة الناس بسلامة فهمه ، ولطف إدراكه . (37) الأثر : 1859- كان في المطبوعة : "ولم يخلق مثلها شيئا فتتمثل به" ، وهو كلام فاسد . والصواب في الدر المنثور 1 : 110 . (38) حتم الأمر : قضاه قضاء لازما . (39) كان في المطبوعة : "قضاء الإحكام" ، والصواب ما أثبت . (40) في المطبوعة"فراغه" وزيادة"منه" واجبة . (41) ديوانه : 19 ، والمفضليات : 881 وتأويل مشكل القرآن : 342 ، وسيأتي في تفسير الطبري 11 : 65 ، 22 : 47 (بولاق) ، من قصيدته التي فاقت كل شعر ، يرثى أولاده حين ماتوا بالطاعون . والضمير في قوله : "وعليهما" إلى بطلين وصفهما في شعره قبل ، كل قد أعد عدته : فتناديـــا فتـــواقفت خيلاهمــا وكلاهمــا بطــل اللقــاء مخـدع متحــاميين المجــد, كــل واثـق ببلائــه, واليــوم يــوم أشــنع وعليهمــــا مســـرودتان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . "مسرودتان" ، يعني درعين ، من السرد ، وهو الخرز أو النسج ، قد نسجت حلقهما نسجا محكما . وداود : هو نبي الله ﷺ . وتبع : اسم لكل ملك من ملوك حمير (انظر ما سلف 2 : 237) . قال ابن الأنباري : "سمع بأن الحديد سخر لداود عليه السلام ، وسمع بالدروع التبعية ، فظن أن تبعا عملها . وكان تبع أعظم من أن يصنع شيئا بيده ، وإنما صنعت في عهده وفي ملكه" . والصنع : الحاذق بعمله ، والمرأة : صناع . ويروى : "وعليهما ماذيتان" ، يعني درعين . والماذية : الدرع الخالصة الحديد ، اللينة السهلة . (42) "تعاورا" ، يعني - كما قالوا : تعاورا بالطعن ، مسرودتين . من قولهم : تعاورنا فلانا بالضرب : إذا ضربته أنت ثم صاحبك . ورأيي أنها رواية مرفوضة ، لا تساوق لشعر فإنه يقول بعده : وكلاهمـــا فــي كفــه يزنيــة فيهــا ســنان, كالمنــارة أصلـع وكلاهمـــا متوشـــح ذارونــق عضبــا, إذا مس الضريبــة يقطـع فتخالســا نفســـيهما بنوافـــذ كنوافــذ العُبُــط التــي لا تـرفع فهو يصف ، ثم يخبر أنهما قد تضاربا ضربا مهلكا ، ولا معنى لتقديم الطعن ثم العود إلى صفة السلاح ، إلا على بعد واستكراه . (43) هو جزء بن ضرار ، أخو الشماخ بن ضرار . وقد اختلف في نسبتها . نسبت للشماخ ، ولغيره ، حتى نسبوها إلى الجن (انظر طبقات فحول الشعراء : 111 ، وحماسة أبي تمام 3 : 65 ، وابن سعد 3 : 241 ، والأغاني 9 : 159 ، ونهج البلاغة 3 : 147 ، والبيان والتبيين 3 : 364 ، وتأويل مشكل القرآن : 343 ، وغيرها كثير) . هذا والصواب أن يقول : "في رثاء عمر بن الخطاب" . (44) البوائق جمع بائقة : وهي الداهية المنكرة التي فتحت ثغرة لا تسد . والأكمام جمع كم _(بضم الكاف وكسرها) . وهو غلاف الثمرة قبل أن ينشق عنه . وقوله : "لم تفتق" ، أصلها : تتفتق ، حذف إحدى التاءين . وتفتق الكم عن زهرته : انشق وانفطر . ورحم الله عمر من إمام جمع أمور الناس حياته ، حتى إذا قضى انتشرت أمورهم . (45) بوائج جمع بائجة : وهي الداهية التي تنفتق انفتاقا منكرا فتعم الناس ، وتتابع عليهم شرورها من قولهم : باج البرق وانباج وتبوج : إذا لمع وتكشف وعم السحاب ، وانتشر ضوؤه . (46) في المطبوعة : "وتلك حال لا يجوز أمره" ، بإسقاط"فيها" ، وهي واجبة ، واستظرتها من السياق ومن الشطر الآتي من السؤال . (47) في المطبوعة : "كما محال الأمر" ، بإسقاط الواو ، وهي واجب إثباتها . ويعنى بقوله : "المأمور" ، أي الموجود المأمور . (48) أحب أن أنبه قارئ هذا التفسير ، أن يلقى باله إلى سياق أقوال القائلين ، وكيف يخلص هو المعاني بعضها من بعض ، وكيف يصيب الحجة بعقل ولطف إدراك ، وصحة بيان عن معاني الكلام ، وعن تأويل آيات كتاب ربنا سبحانه وتعالى ثم لينظر بعد ذلك أقوال المفسرين ، وكيف تجنبوا الإيغال فيما توغل هو فيه ، ثقة بعون الله له ، ثم اتباعا لأهدى السبل في طلب المقاصد . (49) انظر معنى : "الظاهر ، والباطن" فيما سلف : 2 : 15 والمراجع . (50) لم أجد الرجز كاملا ، والبيتان في اللسان (حنق) . يصف ناقة أنضاها السير . والأنساع جمع نسع (بكسر فسكون) ، وهو سير يضفر عريضا تشد به الرحال . ولحق البطن يلحق لحوقا : ضمر . أي قالت سيور التصدير لبطن الناقة : كن ضامرا . يعني بذلك ما أضناها من السير . وقدما : أي منذ القدم قال بشامة بن الغدير . لا تظلمونــا, ولا تنســوا قرابتنـا إطـوا إلينـا, فقدمـا تعطـف الرحـم ويعني أبو النجم : أن الضمور قد طال بها ، فإن الأنساع قالت ذلك منذ زمن بعيد . وآض : صار ورجع . والفنيق الجمل الفحل المودع للفحلة ، لا يركب ولا يهان لكرامته عليهم ، فهو ضخم شديد التركيب . والمحنق : الضامر القليل اللحم . والإحناق : لزوق البطن بالصلب . (51) يقال له أيضًا : كعب بن حممة ، وهو أحد المعمرين ، زعموا عاش أربعمائة سنة غير عشر سنين . وهو أحد حكام العرب ، ويقال إنه هو"ذو الحلم" الذي قرعت له العصا ، فضرب به المثل . (52) كتاب المعمرين : 22 ، وحماسة البحتري : 205 ومعجم الشعراء : 209 ، وهي أبيات . (53) أمالي ابن الشجري 1 : 313 ، 2 : 140 ، واللسان (قطط) . وفي المطبوعة : "سيلا" ، والصواب في اللسا وأمالي ابن الشجري ، والرواية المشهورة"مهلا رويدا" . وقطني : حسبي وكفاني وللنحاة كلام كثير في"قطني" . وقوله"سلا" : كأنه من قولهم : انسل السيل : وذلك أول ما يبتدئ حين يسيل ، قبل أن يشتد . كأنه يقول : صبا رويدا . (54) في المطبوعة : "وجوده" الذي أراد إيجاده" وزيادة الهاء في"وجوده" لا مكان لها . (55) يقول : إن وجود الشيء ، لا يتقدم إرادة الله وأمره ، ولا يتأخر عنهما . (56) يقول : "يسأل من زعم . . عن دعوة أهل القبور" . (57) هو المثقب العبدي . (58) المفضليات : 586 ، والكامل 1 : 193 وطبقات فحول الشعراء : 231 ، وسيأتي في تفسيره 4 : 112 (بولاق) من قصيدة جيدة ، يقول قبله في ناقته : إذا مــا قمــت أرحلهــا بليــل تــأوه آهــة الرجــل الحــزين ودرأ الوضين لناقته : بسطه على الأرض ، ثم أبركها عليه ليشد عليها رحلها . والوضين : حزام عريض من جلد منسوج يشد به رحل البعير . والدين : الدأب والعادة . (59) في المطبوعة : "فتبين" ، والصواب ما أثبت . (60) في المطبوعة : "فيكون على العطف" سقط من الناسخ قوله : الرفع" . (61) وهذه هي قراءة مصحفنا اليوم . (62) المعاني الكبير : 846 ، 1134 ، وسيبويه 1 : 341 ، من أبيات يذكر صديقا كان له ، يقول : أرانـــا لا يــزال لنــا حــميم كــداء البطــن سِــلا أو صُفـارا يعــالج عــاقرا أعيــت عليــه ليلقحهـــا , فينتجهـــا حــوارا ويـــزعم أنـــه نــاز علينــا بشــــرته فتاركنـــا تبـــارا جعل هذا الصديق كداء البطن لا يدري من أين يهج ولا كيف يتأتى له . وهو يعالج من الشر ما لا يقدر عليه ، فكأنه يطلب الولد من عاقر . جعل ذلك مثلا . والحوار : ولد البقرة . والشرة : حدة الشر ، والتبار : الهلاك .

الآية 117 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (117) - Surat Al-Baqarah

Originator of the heavens and the earth. When He decrees a matter, He only says to it, "Be," and it is

الآية 117 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (117) - Сура Al-Baqarah

Он - Первосоздатель небес и земли. Когда Он принимает решение, то стоит Ему сказать: «Будь!», как это сбывается

الآية 117 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (117) - سوره البَقَرَة

وہ آسمانوں اور زمین کا موجد ہے اور جس بات کا وہ فیصلہ کرتا ہے، اس کے لیے بس یہ حکم دیتا ہے کہ "ہو جا" اور وہ ہو جاتی ہے

الآية 117 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (117) - Ayet البَقَرَة

Gökleri ve yeri yoktan var eden Allah'tır. O, bir işin olmasını dilerse, ona ancak "ol" der ve olur

الآية 117 من سورة البَقَرَة باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (117) - versículo البَقَرَة

Originador de los cielos y la Tierra, cuando decreta un asunto dice: "¡Sé!", y es