مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة ورابعة (١٠٤) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة ورابعة من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُواْۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴿١٠٤

الأستماع الى الآية المئة ورابعة من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 104 من سورة البَقَرَة

(راعِنا) أمهلنا. (انْظُرْنا) أخرنا. (يا أَيُّهَا) يا حرف نداء. أي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم والهاء للتنبيه. (الَّذِينَ) اسم موصول بدل من أي. (آمَنُوا) فعل ماض والواو فاعل والجملة صلة الموصول. (لا تَقُولُوا) لا ناهية جازمة تقولوا مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل. والجملة لا محل لها ابتدائية. (راعِنا) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الياء والكسرة دليل عليه والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت ونا مفعول به والجملة مقول القول. (وَقُولُوا) الواو عاطفة قولوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل. والجملة معطوفة. (انْظُرْنا) فعل أمر وفاعله أنت ونا مفعول به والجملة مفعول به مقول القول. (وَاسْمَعُوا) أمر وفاعله ومفعوله محذوف تقديره واسمعوا كلام رسولكم، والجملة معطوفة. (وَلِلْكافِرِينَ) الواو استئنافية للكافرين متعلقان بمحذوف خبر مقدم. (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر. (أَلِيمٌ) صفة مرفوعة، والجملة استئنافية.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (104) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (16) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (1) ، وهي الآية رقم (111) من أصل 6236 آية في القرآن الكريم

مواضيع مرتبطة بالآية (5 مواضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 104 من سورة البَقَرَة

لا تقولوا : راعنا : كلمة سبّ و تنقيصٍٍ عند اليهود ، قولوا : انظرنا : انظر إلينا أو انتظرنا و تأنّ علينا

الآية 104 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ﴿١٠٤

تفسير الآية 104 من سورة البَقَرَة

يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا للرسول محمد ﷺ: راعنا، أي: راعنا سمعك، فافهم عنا وأفهمنا؛ لأن اليهود كانوا يقولونها للنبي ﷺ يلوون ألسنتهم بها، يقصدون سبَّه ونسبته إلى الرعونة، وقولوا- أيها المؤمنون- بدلا منها: انظرنا، أي انظر إلينا وتعهَّدْنا، وهي تؤدي المعنى المطلوب نفسه واسمعوا ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه. وللجاحدين عذاب موجع.

(يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا) للنبي (راعنا) أمر من المراعاة وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من الرعونة فسُرُّوا بذلك وخاطبوا بها النبي فنُهى المؤمنون عنها (وقولوا) بدلها (انظرنا) أي انظر إلينا (واسمعوا) ما تؤمرون به سماع قبول (وللكافرين عذاب أليم) مؤلم هو النار.

كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: ( رَاعِنَا ) أي: راع أحوالنا, فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا, فانتهزوا الفرصة, فصاروا يخاطبون الرسول بذلك, ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة, سدا لهذا الباب، ففيه النهي عن الجائز, إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب, واستعمال الألفاظ, التي لا تحتمل إلا الحسن, وعدم الفحش, وترك الألفاظ القبيحة, أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال: ( وَقُولُوا انْظُرْنَا ) فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور، ( وَاسْمَعُوا ) لم يذكر المسموع, ليعم ما أمر باستماعه، فيدخل فيه سماع القرآن, وسماع السنة التي هي الحكمة, لفظا ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة.

نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص عليهم لعائن الله فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا يقولون : راعنا


يورون بالرعونة ، كما قال تعالى : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) ( النساء : 46 ) وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم ، بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون : السام عليكم
والسام هو : الموت
ولهذا أمرنا أن نرد عليهم ب " وعليكم "
وإنما يستجاب لنا فيهم ، ولا يستجاب لهم فينا . والغرض : أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا
فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ) وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له
وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " . وروى أبو داود ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به " من تشبه بقوم فهو منهم " ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد ، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ، ولباسهم وأعيادهم ، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولم نقرر عليها . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا مسعر ، عن معن وعون أو أحدهما أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود ، فقال : اعهد إلي
فقال : إذا سمعت الله يقول ( ياأيها الذين آمنوا ) فأرعها سمعك ، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . وقال الأعمش ، عن خيثمة ، قال : ما تقرؤون في القرآن : ( ياأيها الذين آمنوا ) فإنه في التوراة : " يا أيها المساكين " . وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( راعنا ) أي : أرعنا سمعك . وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) قال : كانوا يقولون للنبي ﷺ أرعنا سمعك
وإنما ( راعنا ) كقولك : عاطنا . وقال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي العالية ، وأبي مالك ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، وقتادة ، نحو ذلك . وقال مجاهد : ( لا تقولوا راعنا ) لا تقولوا خلافا
وفي رواية : لا تقولوا : اسمع منا ونسمع منك . وقال عطاء : ( لا تقولوا راعنا ) كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها . وقال الحسن : ( لا تقولوا راعنا ) قال : الراعن من القول السخري منه
نهاهم الله أن يسخروا من قول محمد ﷺ ، وما يدعوهم إليه من الإسلام
وكذا روي عن ابن جريج أنه قال مثله . وقال أبو صخر : ( لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ) قال : كان رسول الله ﷺ ، إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فيقول : أرعنا سمعك
فأعظم الله رسوله ﷺ أن يقال ذلك له . وقال السدي : كان رجل من اليهود من بني قينقاع ، يدعى رفاعة بن زيد يأتي النبي ﷺ ، فإذا لقيه فكلمه قال : أرعني سمعك واسمع غير مسمع
وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا ، فكان ناس منهم يقولون : اسمع غير مسمع : غير صاغر
وهي كالتي في سورة النساء
فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا : راعنا . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، بنحو من هذا . قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه ﷺ : راعنا ; لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن يقولها لنبيه ﷺ ، نظير الذي ذكر عن النبي قال : " لا تقولوا للعنب الكرم ، ولكن قولوا : الحبلة
ولا تقولوا : عبدي ، ولكن قولوا : فتاي "
وما أشبه ذلك .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تقولوا راعنا). فقال بعضهم: تأويله: لا تقولوا خلافا. * ذكر من قال ذلك: 1720 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: لا تقولوا خلافا. 1721 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن بمجاهد: (لا تقولوا راعنا)، لا تقولوا خلافا. 1722 - وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله. 1723 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان, عن رجل عن مجاهد مثله. 1724 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان, عن مجاهد مثله.


وقال آخرون: تأويله: أَرْعِنَا سمعك. أي: اسمع منا ونسمع منك. * ذكر من قال ذلك: 1725 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله: (راعنا)، أي: أَرْعِنا سمعك. 1726 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله جل وعز: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)، لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك. 1727 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (راعنا)، قال: كان الرجل من المشركين يقول: أَرْعِني سمعك.
ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نهى الله المؤمنين أن يقولوا " راعنا ". فقال بعضهم: هي كلمة كانت اليهود تقولها على وجه الاستهزاء والمسبة, فنهى الله تعالى ذكره المؤمنين أن يقولوا ذلك للنبي ﷺ. * ذكر من قال ذلك: 1728 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) قول كانت تقوله اليهود استهزاء, فزجر الله المؤمنين أن يقولوا كقولهم. 1729 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: (لا تقولوا راعنا)، قال: كان أناس من اليهود يقولون أرعنا سمعك! حتى قالها أناس من المسلمين: فكره الله لهم ما قالت اليهود فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)، كما قالت اليهود والنصارى. 1730 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)، قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين, فقال الله: (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا). 1731 - وحدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانوا يقولون للنبي ﷺ: راعنا سمعك! وإنما " راعنا " كقولك، عاطنا. 1732 - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) قال: " راعنا " القول الذي قاله القوم، قالوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ (سورة النساء: 46) قال: " قال: هذا الراعن " - والراعن: الخطاء - قال: فقال للمؤمنين: لا تقولوا خطاء، كما قال القوم، وقولوا: انظرنا واسمعوا. قال: كانوا ينظرون إلى النبي ﷺ ويكلمونه، ويسمع منهم, ويسألونه ويجيبهم. (132)
وقال آخرون: بل هي كلمة كانت الأنصار في الجاهلية تقولها, فنهاهم الله في الإسلام أن يقولوها لنبيه ﷺ. * ذكر من قال ذلك: 1733 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا عبد الرزاق, عن عطاء في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانت لغة في الأنصار في الجاهلية, فنـزلت هذه الآية: (لا تقولوا راعنا) ولكن قولوا انظرنا) إلى آخر الآية. 1734 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم, عن عبد الملك, عن عطاء قال: (لا تقولوا راعنا)، قال: كانت لغة في الأنصار. 1735 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عبد الملك, عن عطاء مثله. 1736 - وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق, عن ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (لا تقولوا راعنا)، قال: إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه: أَرْعِني سمعك! فنهوا عن ذلك. 1737 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " راعنا "، قول الساخر. فنهاهم أن يسخروا من قول محمد ﷺ.
وقال بعضهم: بل كان ذلك كلام يهودي من اليهود بعينه، يقال له: رفاعة بن زيد. كان يكلم النبي ﷺ به على وجه السب له, وكان المسلمون أخذوا ذلك عنه, فنهى الله المؤمنين عن قيله للنبي ﷺ. * ذكر من قال ذلك: 1738 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا)، كان رجل من اليهود - من قبيلة من اليهود يقال لهم بنو قينقاع - كان يدعى رفاعة بن زيد بن السائب - قال أبو جعفر: هذا خطأ، إنما هو ابن التابوت، ليس ابن السائب - كان يأتي النبي ﷺ, فإذا لقيه فكلمه قال: (133) أَرْعِني سمعك، واسمع غير مسمع = فكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تفخم بهذا, فكان ناس منهم يقولون: " اسمع غير مسمع ", كقولك اسمع غير صاغر = وهي التي في النساء مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ (سورة النساء: 46)، يقول: إنما يريد بقوله طعنا في الدين. ثم تقدم إلى المؤمنين فقال: " لا تقولوا راعنا ". (134)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه: " راعنا " أن يقال: إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه ﷺ, نظير الذي ذكر عن النبي ﷺ أنه قال: 1739 -" لا تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحبَلة ". (135) 1740 - و " لا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا: فتاي". (136) وما أشبه ذلك، من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب, فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما، واختيار الأخرى عليها في المخاطبات.
فإن قال لنا قائل: فإنا قد علمنا معنى نهي النبي ﷺ في " العنب " أن يقال له " كرم ", وفي" العبد " أن يقال له " عبد ", فما المعنى الذي في قوله: (راعنا) حينئذ، الذي من أجله كان النهي من الله جل ثناؤه للمؤمنين عن أن يقولوه, حتى أمرهم أن يؤثروا قوله: انْظُرْنَا ؟ قيل: الذي فيه من ذلك, نظير الذي في قول القائل: " الكرم " للعنب, و " العبد " للمملوك. وذلك أن قول القائل: " عبدي" لجميع عباد الله, فكره للنبي ﷺ أن يضاف بعض عباد الله - بمعنى العبودية - إلى غير الله, وأمر أن يضاف ذلك إلى غيره، بغير المعنى الذي يضاف إلى الله عز وجل, فيقال: " فتاي". وكذلك وجه نهيه في" العنب " أن يقال: " كرم " خوفا من توهم وصفه بالكرَم, وإن كانت مُسَكَّنَة, فإن العرب قد تسكن بعض الحركات إذا تتابعت على نوع واحد. فكره أن يتصف بذلك العنب. فكذلك نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقولوا: " راعنا ", لما كان قول القائل: " راعنا " محتملا أن يكون بمعنى احفظنا ونحفظك، وارقبنا ونرقبك. من قول العرب بعضهم لبعض: " رعاك الله ": بمعنى حفظك الله وكلأك - ومحتملا أن يكون بمعنى: أَرْعنا سمعك, من قولهم: " أرعيت سمعي إرعاء - أو راعيته - سمعي رِعاء أو مراعاة ", بمعنى: فرغته لسماع كلامه. كما قال الأعشى ميمون بن قيس: يُـرْعِي إلـى قـول سادات الرجال إذا أبـدوا لـه الحـزم أو ما شاءه ابتدعا (137) يعني بقوله " يرعى "، يصغي بسمعه إليه مفرغه لذلك. وكان الله جل ثناؤه قد أمر المؤمنين بتوقير نبيه ﷺ وتعظيمه, حتى نهاهم جل ذكره فيما نهاهم عنه عن رفع أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وخوفهم على ذلك حبوط أعمالهم. (138) فتقدم إليهم بالزجر لهم عن أن يقولوا له من القول ما فيه جفاء, وأمرهم أن يتخيروا لخطابه من الألفاظ أحسنها, ومن المعاني أرقها. فكان من ذلك قولهم: (راعنا) لما فيه من احتمال معنى: ارعنا نرعاك, إذ كانت المفاعلة لا تكون إلا من اثنين, كما يقول القائل: " عاطنا، وحادثنا، وجالسنا ", بمعنى: افعل بنا ونفعل بك - (139) ومعنى: أرعنا سمعك، حتى نفهمك وتفهم عنا. فنهى الله تعالى ذكره أصحاب محمد أن يقولوا ذلك كذلك، وأن يفردوا مسألته بانتظارهم وإمهالهم، ليعقلوا عنه بتبجيل منهم له وتعظيم, وأن لا يسألوه ما سألوه من ذلك على وجه الجفاء والتجهم منهم له, ولا بالفظاظة والغلظة, تشبها منهم باليهود في خطابهم نبي الله ﷺ، بقولهم له: (اسمع غير مسمع وراعنا). يدل على صحة ما قلنا في ذلك قوله: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَـزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، (140) فدل بذلك أن الذي عاتبهم عليه، مما يسر اليهود والمشركين.
فأما التأويل الذي حكي عن مجاهد في قوله: (راعنا) أنه بمعنى: خلافا, فمما لا يعقل في كلام العرب. لأن " راعيت " في كلام العرب إنما هو على أحد وجهين: أحدهما بمعنى " فاعلت " من " الرِّعْية " وهي الرِّقبة والكَلاءة. والآخر بمعنى إفراغ السمع, بمعنى " أرعيته سمعي". وأما " راعيت " بمعنى " خالفت ", فلا وجه له مفهوم في كلام العرب. إلا أن يكون قرأ ذلك بالتنوين، ثم وجهه إلى معنى الرعونة والجهل والخطأ, على النحو الذي قال في ذلك عبد الرحمن بن زيد, فيكون لذلك - وإن كان مخالفا قراءة القراء - معنى مفهوم حينئذ.
وأما القول الآخر الذي حكي عن عطية ومن حكي ذلك عنه: أن قوله: (راعنا) كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية, فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم، فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين: أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه، ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم ﷺ. ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة، أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب، وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي، هي عند اليهود سب, وهي عند العرب: أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني. فعلم الله جل ثناؤه معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي ﷺ, وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب, فنهى الله عز وجل المؤمنين عن قيلها للنبي ﷺ، لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه، أن يخاطب رسول الله ﷺ به. وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك، من الوجه الذي تقوم به الحجة. وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا, إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره.
وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: (لا تقولوا راعنا) بالتنوين, بمعنى: لا تقولوا قولا " راعنا ", من " الرعونة " وهي الحمق والجهل. وهذه قراءة لقراء المسلمين مخالفة, فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين، وخلافِها ما جاءت به الحجة من المسلمين. ومن نون " راعنا " نونه بقوله: (لا تقولوا)، لأنه حينئذ عامل فيه. ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه لأنه أمر محكي. لأن القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي ﷺ: (راعنا)، بمعنى مسألته: إما أن يرعيهم سمعه, وإما أن يرعاهم ويرقبهم - على ما قد بينت فيما قد مضى - فقيل لهم: لا تقولوا في مسألتكم إياه " راعنا ". فتكون الدلالة على معنى الأمر في" راعنا " حينئذ سقوط الياء التي كانت تكون في" يراعيه " ويدل عليها - أعني على " الياء " الساقطة - كسرة " العين " من " راعنا ".
وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود: (لا تقولوا راعونا)، بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم. فإن كان ذلك من قراءته صحيحا، وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضا، كان خطابهم للنبي ﷺ أو لغيره. ولا نعلم ذلك صحيحا من الوجه الذي تصح منه الأخبار.
القول في تأويل قوله تعالى : وَقُولُوا انْظُرْنَا قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وقولوا انظرنا)، وقولوا يا أيها المؤمنون لنبيكم ﷺ: انظرنا وارقبنا، نفهم ونتبين ما تقول لنا، وتعلمنا، كما: 1741 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وقولوا انظرنا) فهمنا، بين لنا يا محمد. 1742 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وقولوا انظرنا) فهمنا، بين لنا يا محمد. 1743 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد مثله.
يقال منه: " نظرت الرجل أنظره نظرة " بمعنى انتظرته ورقبته، ومنه قول الحطيئة: وقــد نَظَــرتكمُ أَعْشـاء صـادرةٍ للخِـمس, طـال بها حَوْزي وتَنْساسي (141) ومنه قول الله عز وجل: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (سورة الحديد: 13)، يعني به: انتظرونا.
وقد قرئ" أنظرنا " و " أنظرونا " بقطع " الألف " في الموضعين جميعا (142) فمن قرأ ذلك كذلك أراد: أخرنا, كما قال الله جل ثناؤه: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (سورة ص: 79)، أي أخرني. ولا وجه لقراءة ذلك كذلك في هذا الموضع. لأن أصحاب رسول الله ﷺ إنما أمروا بالدنو من رسول الله ﷺ، والاستماع منه، وإلطاف الخطاب له، وخفض الجناح - لا بالتأخر عنه، ولا بمسألته تأخيرهم عنه. فالصواب - إذْ كان ذلك كذلك - (143) من القراءة قراءة من وصل الألف من قوله: (انظرنا)، ولم يقطعها بمعنى: انتظرنا.
وقد قيل: إن معنى (أنظرنا) بقطع الألف بمعنى: أمهلنا. حكي عن بعض العرب سماعا: " أنظرني أكلمك "، وذكر سامع ذلك من بعضهم أنه استثبته في معناه, فأخبره أنه أراد أمهلني. فإن يكن ذلك صحيحا عنهم " فانظرنا " و " أنظرنا " - بقطع " الألف " ووصلها - متقاربا المعني. غير أن الأمر وإن كان كذلك, فإن القراءة التي لا أستجيز غيرها، قراءة من قرأ: (وقولوا انظرنا)، بوصل " الألف " بمعنى: انتظرنا, لإجماع الحجة على تصويبها، ورفضهم غيرها من القراآت.
القول في تأويل قوله تعالى وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (واسمعوا)، واسمعوا ما يقال لكم ويتلى عليكم من كتاب ربكم، وعُوه وافهموه، كما:- 1744 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (واسمعوا)، اسمعوا ما يقال لكم.
فمعنى الآية إذًا: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا لنبيكم: راعنا سمعك وفرغه لنا نفهمك وتفهم عنا ما نقول. ولكن قولوا: انتظرنا وترقبنا حتى نفهم عنك ما تعلمنا وتبينه لنا. واسمعوا منه ما يقول لكم، فعوه واحفظوه وافهموه. ثم أخبرهم جل ثناؤه أن لمن جحد منهم ومن غيرهم آياته، وخالف أمره ونهيه، وكذب رسوله، العذاب الموجع في الآخرة, فقال: وللكافرين بي وبرسولي عذاب أليم. يعني بقوله: " الأليم "، الموجع. وقد ذكرنا الدلالة على ذلك فيما مضى قبل، وما فيه من الآثار. (144) --------------- الهوامش : (131) في المطبوعة : "إرجاعه إليها" سهو من ناسخ . (132) قوله"الراعن : الخطاء" لم أجده في غيره بعد . والذي في كتب التفسير واللغة . وربما كانت"الخطأ" . وقد قالوا : "راعنا : الهجر من القول" . وقالوا اشتقوه من الرعونة : وهي الحمق والجهل والاسترخاء . (133) في المطبوعة : "فقال" ، والفاء لا مكان لها . (134) تقدم إليه : أمره . (135) الحديث : 1739 - ذكره الطبري معلقا دون إسناد . وقد رواه أحمد في المسند : 7509 ، من حديث أبي هريرة ، مرفوعا : "ولا تسموا العنب الكرم" . ورواه الشيخان وغيرهما ، كما بينا هناك . ورواه أيضًا قبل ذلك إشارة موجزا : 7256 . وروى مسلم 2 : 197 ، من حديث علقمة بن وائل ، عن أبيه ، مرفوعا : "لا تقولوا الكرم ، ولكن قولوا : الحبلة ، يعني العنب" . (136) الحديث : 1740 - وهذا معلق أيضًا . وهو جزء من حديث طويل . رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، من حديث أبي هريرة ، مرفوعا : " . . ولا يقل أحدكم عبدي ، أمتي ، وليقل : فتاى ، فتاتي ، غلامي" . انظر البخاري 5 : 128 - 131 (فتح) ، ومسلم 2 : 197 . (137) ديوانه : 86 ، وسيأتي في هذا الجزء 2 : 540 وقد سلف تخريج أبيات من هذه القصيدة في 1 : 106 ، 2 : 94 ، وهي في هوذة بن علي كما سلف . يقول قبله : يـا هـوذ, يا خير من يمشي على قدم بحــر المـواهب للـوراد والشـرعا وابتدع : أحدث ما شاء . (138) اقرأ قول الله تعالى في صدر"سورة الحجرات" . (139) قوله : "ومعنى" معطوف على قوله آنفًا : "لما فيه من احتمال معنى : ارعنا نرعاك . . " . (140) وهي الآية التي تلي الآية التي يفسرها . (141) ديوانه : 53 ، واللسان (نظر) (حوز) (نس) (عشا) . من قصيدة يهجو بها الزبرقان ابن بدر ، ويمدح بغيض بن عامر من شماس . والأعشاء جمع عشى (بكسر فسكون) : وهو ما تتعشاه الإبل . والصادرة : الإبل التي تصدر عن الماء . والخمس : من أظماء الإبل ، وهو أن تظل في المرعى بعد يوم ورودها ثلاثة أيام ، ثم ترد في الرابع . والحوز : السوق اللين ، حاز الإبل : ساقها سوقا رويدا . والتنساس والنس ، مصدر قولك : نس الإبل بينها : ساقها سوقا شديدا لورود الماء . ويروى"إيتاء صادرة" . والإيتاء مصدر آنيت الشيء : إذ أخرته . يقول للزبرقان ، حين نزل بداره ، ثم تحول عنها إلى دار بغيض (انظر خبرهما في طبقات فحول الشعراء : 96 - 98) : انتظرت خيركم انتظار الإبل الخوامس لعشائها . وذلك أن الإبل إذا صدرت تعشت طويلا ، وفي بطونها ماء كثير ، فهي تحتاج إلى بقل كثير . يصف طول انتظاره حين لا صبر له على طول الانتظار . وقد شكاه الزبرقان إلى عمر لهذه القصيدة ، ولقوله فيها : دع المكــارم لا ترحــل لبغيتهــا واقعـد, فـإنك أنـت الطـاعم الكاسي (142) زدت قول الله تعالى : "أنظرونا" ، من أجل اختلاف" الحرفين . (143) في المطبوعة : "إن كان ذلك . . " ، ليست بشيء . (144) انظر ما سلف 1 : 283 ، ثم هذا الجزء 2 : 140 ، 377 .

الآية 104 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (104) - Surat Al-Baqarah

O you who have believed, say not [to Allah 's Messenger], "Ra'ina" but say, "Unthurna" and listen. And for the disbelievers is a painful punishment

الآية 104 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (104) - Сура Al-Baqarah

О те, которые уверовали! Не говорите Пророку: «Заботься о нас», а говорите: «Присматривай за нами» и слушайте. А неверующим уготованы мучительные страдания

الآية 104 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (104) - سوره البَقَرَة

اے لوگو جو ایمان لائے ہو: رَاعِناَ نہ کہا کرو، بلکہ اُنظرنَا کہو اور توجہ سے بات کو سنو، یہ کافر تو عذاب الیم کے مستحق ہیں

الآية 104 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (104) - Ayet البَقَرَة

Ey inananlar! Peygamber'e, "Bizi de dinle" (raina; kötü anlama gelebilecek söz) demeyin, "Bizi gözet" (unzurna) deyin ve dinleyin, inkar edenlere elem verici azab vardır

الآية 104 من سورة البَقَرَة باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (104) - versículo البَقَرَة

¡Oh, creyentes! No digan [al Mensajero de Dios]: "Rá‘ina", sino [que digan]: "Undhurna", y obedezcan [-lo]. Los que rechacen el mensaje recibirán un castigo doloroso