مشاركة ونشر

تفسير الآية السادسة والثلاثين (٣٦) من سورة النور

الأستماع وقراءة وتفسير الآية السادسة والثلاثين من سورة النور ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ﴿٣٦

الأستماع الى الآية السادسة والثلاثين من سورة النور

إعراب الآية 36 من سورة النور

(فِي بُيُوتٍ) متعلقان بفعل محذوف (أَذِنَ اللَّهُ) ماض وفاعله والجملة صفة لبيوت (أَنْ تُرْفَعَ) أن ناصبة ومضارع مبني للمجهول منصوب بأن ونائب الفاعل مستتر (وَيُذْكَرَ) معطوف على ترفع (فِيهَا) متعلقان بيذكر (اسْمُهُ) نائب الفاعل ليذكر (يُسَبِّحُ) مضارع مرفوع (لَهُ فِيها) متعلقان بيسبح (بِالْغُدُوِّ) متعلقان بحال محذوفة والجملة صفة ثانية لبيوت (وَالْآصالِ) معطوف على الغدو

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (36) من سورة النور تقع في الصفحة (354) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (18)

مواضيع مرتبطة بالآية (8 مواضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 36 من سورة النور

بيوت : هي المساجد كلّها ، أن ترفع : أن تُعظّم و تُطهّر ، بالغدوّ و الآصال : أول النهار و آخره

الآية 36 من سورة النور بدون تشكيل

في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ﴿٣٦

تفسير الآية 36 من سورة النور

هذا النور المضيء في مساجد أَمَرَ الله أن يُرْفع شأنها وبناؤها، ويُذْكر فيها اسمه بتلاوة كتابه والتسبيح والتهليل، وغير ذلك من أنواع الذكر، يُصلِّي فيها لله في الصباح والمساء.

(في بيوت) متعلق بيسبح الآتي (أذن الله أن ترفع) تعظم (ويذكر فيها اسمه) بتوحيده (يسبَّح) بفتح الموحدة وكسرها: أي يُصلِي (له فيها بالغدو) مصدر بمعنى الغدوات: أي البُكر (والآصال) العشايا من بعد الزوال.

أي: يتعبد لله ( فِي بُيُوتٍ ) عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه، وهي المساجد. ( أَذِنَ اللَّهُ ) أي: أمر ووصى ( أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها، بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله.( وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) يدخل في ذلك الصلاة كلها، فرضها، ونفلها، وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه، والمذاكرة فيها، والاعتكاف، وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين: عمارة بنيان، وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله، من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد، وجوبا عند أكثر العلماء، أو استحبابا عند آخرين. ثم مدح تعالى عمارها بالعبادة فقال: ( يُسَبِّحُ لَهُ ) إخلاصا ( بِالْغُدُوِّ ) أول النهار ( وَالْآصَالِ ) آخره خص هذين الوقتين لشرفهما ولتيسر السير فيهما إلى الله وسهولته. ويدخل في ذلك، التسبيح في الصلاة وغيرها، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء.

لما ضرب الله تعالى ( مثل ) قلب المؤمن ، وما فيه من الهدى والعلم ، بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب ، وذلك كالقنديل ، ذكر محلها وهي المساجد ، التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض ، وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد ، فقال : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) أي : أمر الله تعالى برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنس واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) ) قال : نهى الله سبحانه عن اللغو فيها


وكذا قال عكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، ونافع بن جبير ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وسفيان بن حسين ، وغيرهم من علماء المفسرين . وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله ، سبحانه ، ببنائها ورفعها ، وأمر بعمارتها وتطهيرها
وقد ذكر لنا أن كعبا كان يقول : إن في التوراة مكتوبا : " ألا إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ، ثم زارني في بيتي أكرمته ، وحق على المزور كرامة الزائر "
رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره . وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها وتوقيرها ، وتطييبها وتبخيرها
وذلك له محل مفرد يذكر فيه ، وقد كتبت في ذلك جزءا على حدة ، ولله الحمد والمنة
ونحن بعون الله تعالى نذكر هاهنا طرفا من ذلك ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان : فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله ، بنى الله له مثله في الجنة "
أخرجاه في الصحيحين . وروى ابن ماجه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : " من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله ، بنى الله له بيتا في الجنة " . وللنسائي عن عمرو بن عبسة مثله
والأحاديث في هذا كثيرة جدا . وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور ، وأن تنظف وتطيب
رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي
ولأحمد وأبي داود ، عن سمرة بن جندب نحوه . وقال البخاري : قال عمر : ابن للناس ما يكنهم ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس . وروى ابن ماجه عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم "
وفي إسناده ضعف . وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله ﷺ : " ما أمرت بتشييد المساجد "
قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وعن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد "
رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي وعن بريدة أن رجلا أنشد في المسجد ، فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي ﷺ : " لا وجدت ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له "
رواه مسلم . وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : نهى رسول الله ﷺ ، عن البيع والابتياع ، وعن تناشد الأشعار في المساجد
رواه أحمد وأهل السنن ، وقال الترمذي : حسن . وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه سلم : قال : " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد ، فقولوا : لا أربح الله تجارتك
وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد ، فقولوا : لا رد الله عليك "
رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب . وقد روى ابن ماجه وغيره ، من حديث ابن عمر مرفوعا ، قال : " خصال لا تنبغي في المسجد : لا يتخذ طريقا ، ولا يشهر فيه سلاح ، ولا ينبض فيه بقوس ، ولا ينثر فيه نبل ، ولا يمر فيه بلحم نيء : ولا يضرب فيه حد ، ولا يقتص فيه من أحد ، ولا يتخذ سوقا " . وعن واثلة بن الأسقع ، عن رسول الله ﷺ قال : " جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، وخصوماتكم ورفع أصواتكم ، وإقامة حدودكم وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وجمروها في الجمع " . ورواه ابن ماجه أيضا وفي إسنادهما ضعف . أما أنه " لا يتخذ طريقا " فقد كره بعض العلماء المرور فيه إلا لحاجة إذا وجد مندوحة عنه
وفي الأثر : " إن الملائكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد لا يصلي فيه " . وأما أنه " لا يشهر فيه بسلاح
ولا ينبض فيه بقوس ، ولا ينثر فيه نبل
فلما يخشى من إصابة بعض الناس به ، لكثرة المصلين فيه; ولهذا أمر رسول الله ﷺ إذا مر أحد بسهام أن يقبض على نصالها; لئلا يؤذي أحدا ، كما ثبت في الصحيح . وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه ، فلما يخشى من تقاطر الدم منه ، كما نهيت الحائض عن المرور فيه إذا خافت التلويث . وأما أنه " لا يضرب فيه حد ولا يقتص " ، فلما يخشى من إيجاد نجاسة فيه من المضروب أو المقطوع . وأما أنه " لا يتخذ سوقا " ، فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه ، فإنه إنما بني لذكر الله والصلاة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد : " إن المساجد لم تبن لهذا ، إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها "
ثم أمر بسجل من ماء ، فأهريق على بوله . وفي الحديث الثاني : " جنبوا مساجدكم صبيانكم " ، وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم ، وقد كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، إذا رأى صبيانا يلعبون في المسجد ، ضربهم بالمخفقة - وهي الدرة - وكان يعس المسجد بعد العشاء ، فلا يترك فيه أحدا . " ومجانينكم " يعني : لأجل ضعف عقولهم ، وسخر الناس بهم ، فيؤدي إلى اللعب فيها ، ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ، ونحو ذلك . " وبيعكم وشراءكم " كما تقدم . " وخصوماتكم " يعني : التحاكم والحكم فيه; ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد ، بل يكون في موضع غيره; لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والعياط الذي لا يناسبه; ولهذا قال بعده : " ورفع أصواتكم " . وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال : حدثني يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد الكندي قال : كنت قائما في المسجد ، فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين
فجئته بهما ، فقال : من أنتما؟ أو : من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف
قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما : ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ﷺ . وقال النسائي : حدثنا سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال : أتدري أين أنت؟ وهذا أيضا صحيح . وقوله : " وإقامة حدودكم ، وسل سيوفكم " : تقدما . وقوله : " واتخذوا على أبوابها المطاهر " يعني : المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة
وقد كانت قريبا من مسجد رسول الله ﷺ آبار يستقون منها ، فيشربون ويتطهرون ، ويتوضئون وغير ذلك . وقوله : " وجمروها في الجمع " يعني : بخروها في أيام الجمع لكثرة اجتماع الناس يومئذ . وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ; أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله ﷺ كل جمعة
إسناده حسن لا بأس به والله أعلم . وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال : " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه ، خمسا وعشرين ضعفا
وذلك أنه إذا توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد ، لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه : اللهم صل عليه ، اللهم ارحمه ، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة " وعند الدارقطني مرفوعا : " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " . وفي السنن : " بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة " . والمستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى ، وأن يقول كما ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم " ( قال : أقط؟ قال : نعم )
قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم . وروى مسلم بسنده عن أبي حميد - أو : أبي أسيد - قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك " . ورواه النسائي عنهما ، عن النبي ﷺ ( مثله ) . وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ : " إذا دخل أحدكم المسجد ، فليسلم على النبي ﷺ وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك
وإذا خرج فليسلم على النبي ﷺ وليقل : اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم " . ورواه ابن ماجه ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن عبد الله بن حسن
عن أمه فاطمة بنت حسين ، عن جدتها فاطمة بنت رسول الله ﷺ قالت : كان رسول الله ﷺ إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ، ثم قال : " اللهم ، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك "
وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال : " اللهم ، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك " . ورواه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن وإسناده ليس بمتصل; لأن فاطمة بنت الحسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى . فهذا الذي ذكرناه ، مع ما تركناه من الأحاديث الواردة في ذلك لحال الطول
كله داخل في قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) . وقوله : ( ويذكر فيها اسمه ) أي : اسم الله ، كقوله : ( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ( الأعراف : 31 ) ، وقوله ( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ) ( الأعراف : 29 ) ، وقوله ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) ( الجن : 18 ) . قال ابن عباس : ( ويذكر فيها اسمه ) يعني : يتلى فيها كتابه . وقوله : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال ) أي : في البكرات والعشيات
والآصال : جمع أصيل ، وهو آخر النهار . وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كل تسبيح في القرآن هو الصلاة . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني بالغدو : صلاة الغداة ، ويعني بالآصال : صلاة العصر ، وهما أول ما افترض الله من الصلاة ، فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده . وكذا قال الحسن ، والضحاك : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال ) يعني : الصلاة . ومن قرأ من القرأة " يسبح له فيها بالغدو والآصال " - بفتح الباء من " يسبح " على أنه مبني لما لم يسم فاعله - وقف على قوله : ( والآصال ) وقفا تاما ، وابتدأ بقوله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) وكأنه مفسر للفاعل المحذوف ، كما قال الشاعر . ليبك يزيد ، ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح كأنه قال : من يبكيه؟ قال : هذا يبكيه
وكأنه قيل : من يسبح له فيها؟ قال : رجال . وأما على قراءة من قرأ : ( يسبح ) - بكسر الباء - فجعله فعلا وفاعله : ( رجال ) فلا يحسن الوقف إلا على الفاعل; لأنه تمام الكلام . فقوله : ( رجال ) فيه إشعار بهممهم السامية ، ونياتهم وعزائمهم العالية ، التي بها صاروا عمارا للمساجد ، التي هي بيوت الله في أرضه ، ومواطن عبادته وشكره ، وتوحيده وتنزيهه ، كما قال تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ( الأحزاب : 23 ) . فأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن; لما رواه أبو داود ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال : " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " . وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، حدثني عمرو ، عن أبي السمح ، عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة - رضي الله عنها ، - عن رسول الله ﷺ أنه قال : " خير مساجد النساء ( قعر ) بيوتهن " . وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا هارون ، أخبرني عبد الله بن وهب ، حدثنا داود بن قيس ، عن عبد الله بن سويد الأنصاري ، عن عمته أم حميد - امرأة أبي حميد الساعدي - أنها جاءت النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله ، إني أحب الصلاة معك قال : " قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي "
قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه ، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله ، عز وجل
لم يخرجوه . هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال ، بشرط أن لا تؤذي أحدا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب كما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله ﷺ : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " . رواه البخاري ومسلم ، ولأحمد وأبي داود : " وبيوتهن خير لهن " وفي رواية : " وليخرجن وهن تفلات " أي : لا ريح لهن . وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن زينب - امرأة ابن مسعود - قالت : قال لنا رسول الله ﷺ : " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " . وفي الصحيحين عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله ﷺ ، ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ، ما يعرفن من الغلس . وفي الصحيحين أيضا عنها أنها قالت : لو أدرك رسول الله ﷺ ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ، كما منعت نساء بني إسرائيل .

يعني تعالى ذكره بقوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، في بيوت أذن الله أن ترفع. كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المشكاة التي فيها الفتيلة التي فيها المصباح، قال: المصابيح في بيوت أذن الله أن ترفع. قال أبو جعفر: قد يحتمل أن تكون " من " في صلة " توقد "، فيكون المعنى: توقد من شجرة مباركة ذلك المصباح في بيوت أذن الله أن ترفع، وعنى بالبيوت المساجد. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، قالا ثنا حكام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قول الله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: المساجد. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) وهي المساجد تكرم، ونهى عن اللغو فيها. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) يعني: كل مسجد يصلي فيه، جامع أو غيره. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: مساجد تبنى. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: في المساجد. قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: أدركت أصحاب رسول الله وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وإنه حقّ على الله أن يكرم من زاره فيها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سالم بن عمر في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: هي المساجد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: المساجد. وقال آخرون: عنى بذلك البيوت كلها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، قالا حدثنا حكَّام بن سلم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عكرِمة ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: هي البيوت كلها. إنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك؛ لدلالة قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) على أنها بيوت بنيت للصلاة، فلذلك قلنا هي المساجد. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقال بعضهم: معناه: أذن الله أن تبنى. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عصام، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: تبنى. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد مثله. وقال آخرون: معناه: أذن الله أن تعظم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: ( أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) يقول: أن تعظم لذكره. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، القول الذي قاله مجاهد، وهو أن معناه: أذن الله أن ترفع بناء، كما قال جلّ ثناؤه: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وذلك أن ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية. وقوله: ( وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) يقول: وأذن لعباده أن يذكروا اسمه فيها. وقد قيل: عني به أنه أذن لهم بتلاوة القرآن فيها. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ثم قال: ( وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) يقول: يتلى فيها كتابه. وهذا القول قريب المعنى مما قلناه في ذلك؛ لأن تلاوة كتاب الله من معاني ذكر الله، غير أن الذي قلنا به أظهر معنييه، فلذلك اخترنا القول به. وقول: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) . اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار ( يُسَبِّحُ لَهُ ) بضم الياء وكسر الباء، بمعنى يصلي له فيها رجال، ويجعل يسبح فعلا للرجال، وخبرا عنهم، وترفع به الرجال، سوى عاصم وابن عامر، فإنهما قرأا ذلك: " يُسَبَّحُ لَهُ" بضمّ الياء وفتح الباء، على ما لم يسمّ فاعله، ثم يرفعان الرجال بخبر ثان مضمر، كأنهما أرادا: يُسَبَّحُ الله في البيوت التي أذن الله أن ترفع، فسبَّح له رجال، فرفعا الرجال بفعل مضمر، والقراءة التي هي أولاهما بالصواب، قراءة من كسر الباء، وجعله خبرا للرجال وفعلا لهم. وإنما كان الاختيار رفع الرجال بمضمر من الفعل لو كان الخبر عن البيوت، لا يتمّ إلا بقوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ) ، فأما والخبر عنها دون ذلك تامّ، فلا وجه لتوجيه قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ ) إلى غيره أي (1) غير الخبر عن الرجال. وعني بقوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يصلي له في هذه البيوت بالغُدُوات والعشيات رجال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا المعافى بن عمران، عن سفيان، عن عمار الدهني (2) عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: كلّ تسبيح في القرآن فهو صلاة. حدثني عليّ، قال ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: ثم قال: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يقول: يصلي له فيها بالغداة والعشيّ، يعني بالغدو: صلاة الغداة، ويعني بالآصال صلاة العصر وهما أوّل ما افترض الله من الصلاة، فأحبّ أن يذكرهما، ويذكر بهما عبادته. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ) أذن الله أن تبنى، فيصلي فيها بالغدوّ والآصال. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) يعني الصلاة المفروضة. ------------------------ الهوامش: (1) في الأصل : إلى غير. ولعله تحريف. (2) هو عمار بن معاوية الدهني بضم المهملة ، الكوفي ، وثقه أحمد مات سنة 133 ، ا ه.

الآية 36 من سورة النور باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (36) - Surat An-Nur

[Such niches are] in mosques which Allah has ordered to be raised and that His name be mentioned therein; exalting Him within them in the morning and the evenings

الآية 36 من سورة النور باللغة الروسية (Русский) - Строфа (36) - Сура An-Nur

В домах, которые Аллах дозволил воздвигнуть, поминается Его имя. Его славят в них по утрам и перед закатом

الآية 36 من سورة النور باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (36) - سوره النور

(اُس کے نور کی طرف ہدایت پانے والے) اُن گھروں میں پائے جاتے ہیں جنہیں بلند کرنے کا، اور جن میں اپنے نام کی یاد کا اللہ نے اذن دیا ہے

الآية 36 من سورة النور باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (36) - Ayet النور

Allah'ın yüksek tutulmasına ve içlerinde adının anılmasına izin verdiği evlerde, insanlar sabah akşam O'nu tesbih ederler

الآية 36 من سورة النور باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (36) - versículo النور

[Esas hornacinas están] en las casas [de oración] que Dios permitió que fueran erigidas y honradas para que se invoque Su nombre. En ellas Lo glorifican por la mañana y por la tarde