مشاركة ونشر

تفسير الآية المئة والرابعة والثمانين (١٨٤) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئة والرابعة والثمانين من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴿١٨٤

الأستماع الى الآية المئة والرابعة والثمانين من سورة البَقَرَة

إعراب الآية 184 من سورة البَقَرَة

(أَيَّامًا) مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره صوموا أياما. (مَعْدُوداتٍ) صفة منصوبة بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. (فَمَنْ) الفاء استئنافية من اسم شرط جازم مبتدأ. (كانَ) فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره هو وهي في محل جزم فعل الشرط. (مِنْكُمْ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. (مَرِيضًا) خبر كان. (أَوْ) عاطفة. (عَلى سَفَرٍ) معطوفان على مريضا. (فَعِدَّةٌ) الفاء رابطة لجواب الشرط. عدة مبتدأ خبره محذوف التقدير: عليه عدة والجملة في محل جزم جواب الشرط. (مِنْ أَيَّامٍ) متعلقان بمحذوف صفة عدة. (أُخَرَ) صفة لأيام مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ممنوع من الصرف للوصفية والعدل. (وَعَلَى الَّذِينَ) الواو عاطفة على الذين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. (يُطِيقُونَهُ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول. (فِدْيَةٌ) مبتدأ مؤخر. (طَعامُ) بدل مرفوع. (مِسْكِينٍ) مضاف إليه والجملة الاسمية معطوفة. (فَمَنْ) الفاء استئنافية. من اسم شرط جازم مبتدأ. (تَطَوَّعَ) فعل ماض وهو فعل الشرط. (خَيْرًا) منصوب بنزع الخافض. (فَهُوَ) الفاء رابطة لجواب الشرط هو مبتدأ. (خَيْرٌ) خبرها. (لَهُ) متعلقان باسم التفضيل خير والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط. (وَأَنْ) الواو استئنافية أن حرف مصدري ونصب مؤول مع الفعل تصوموا بعدها بمصدر في محل رفع مبتدأ. (تَصُومُوا) مضارع وفاعله. (خَيْرٌ) خبره. (لَكُمْ) متعلقان باسم التفضيل خير وتقدير الكلام: صيامكم خير لكم. (أَنْ) حرف شرط جازم. (كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها. (تَعْلَمُونَ) فعل مضارع والواو فاعل والجملة خبر كنتم وجملة: (كنتم) ابتدائية لا محل لها وجواب الشرط محذوف.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (184) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (28) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (2) ، وهي الآية رقم (191) من أصل 6236 آية في القرآن الكريم

مواضيع مرتبطة بالآية (5 مواضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 184 من سورة البَقَرَة

يُطيقونه : "يستطيعونه ، و الحكم منسوخ بآية ""فمن شَهِد""" ، تطوّع خيرا : زاد في الفدية

الآية 184 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ﴿١٨٤

تفسير الآية 184 من سورة البَقَرَة

فرض الله عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان. فمن كان منكم مريضًا يشق عليه الصوم، أو مسافرًا فله أن يفطر، وعليه صيام عدد من أيام أُخَر بقدر التي أفطر فيها. وعلى الذين يتكلفون الصيام ويشقُّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير، والمريض الذي لا يُرْجَى شفاؤه، فدية عن كل يوم يفطره، وهي طعام مسكين، فمن زاد في قدر الفدية تبرعًا منه فهو خير له، وصيامكم خير لكم -مع تحمُّل المشقة- من إعطاء الفدية، إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى.

(أيَّاما) نصب بالصيام أو يصوموا مقدرا (معدودات) أي قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي وقلَّله تسهيلا على المكلفين (فمن كان منكم) حين شهوده (مريضا أو على سفر) أي مسافرا سفر القصر وأجهده الصوم في الحالين فأفطر (فعدَّة) فعليه عدة ما أفطر (من أيام أخر) يصومها بدله (وعلى الذين) لا (يطيقونه) لكبر أو مرض لا يرجى برؤه (فدية) هي (طعام مسكين) أي قدر ما يأكله في يومه وهو مدٌ من غالب قوت البلد لكل يوم، وفي قراءة بإضافة فدية وهي للبيان وقيل لا غير مقدرة وكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله من شهد منكم الشهر فليصمه، قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد فإنها باقية بلا نسخ في حقهما (فمن تطوع خيرا) بالزيادة على القدر المذكور في الفدية (فهو) أي التطوع (خير له، وأن تصوموا) مبتدأ خبره (خير لكم) من الإفطار والفدية (إن كنتم تعلمون) أنه خير لكم فافعلوه.

ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام, أخبر أنه أيام معدودات, أي: قليلة في غاية السهولة. ثم سهل تسهيلا آخر. فقال: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) وذلك للمشقة, في الغالب, رخص الله لهما, في الفطر. ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن, أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض, وانقضى السفر, وحصلت الراحة. وفي قوله: ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ ) فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان, كاملا كان, أو ناقصا, وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة, عن أيام طويلة حارة كالعكس. وقوله: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) أي: يطيقون الصيام ( فِدْيَةٌ ) عن كل يوم يفطرونه ( طَعَامُ مِسْكِينٍ ) وهذا في ابتداء فرض الصيام, لما كانوا غير معتادين للصيام, وكان فرضه حتما, فيه مشقة عليهم, درجهم الرب الحكيم, بأسهل طريق، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم, وهو أفضل, أو يطعم، ولهذا قال: ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ثم بعد ذلك, جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق, يفطر ويقضيه في أيام أخر (وقيل: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) أي: يتكلفونه، ويشق عليهم مشقة غير محتملة, كالشيخ الكبير, فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح)

ثم بين حكم الصيام على ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فقال : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) أي : المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر ; لما في ذلك من المشقة عليهما ، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر


وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام ، فقد كان مخيرا بين الصيام وبين الإطعام ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأطعم عن كل يوم مسكينا ، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم ، فهو خير ، وإن صام فهو أفضل من الإطعام ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم من السلف ; ولهذا قال تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المسعودي ، حدثنا عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ; فأما أحوال الصلاة فإن النبي ﷺ قدم المدينة ، وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، ثم إن الله عز وجل أنزل عليه : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) ( البقرة : 144 ) فوجهه الله إلى مكة
هذا حول . قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون
ثم إن رجلا من الأنصار ، يقال له : عبد الله بن زيد ، أتى رسول الله ﷺ ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت : إني لم أكن نائما لصدقت أني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران ، فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ، ثم أمهل ساعة ، ثم قال مثل الذي قال ، غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة مرتين
قال رسول الله ﷺ : " علمها بلالا فليؤذن بها "
فكان بلال أول من أذن بها
قال : وجاء عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، ( إنه ) قد طاف بي مثل الذي طاف به ، غير أنه سبقني ، فهذان حالان . قال : وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي ﷺ ببعضها ، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا كم صلى ، فيقول : واحدة أو اثنتين ، فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم
قال : فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ، ثم قضيت ما سبقني
قال : فجاء وقد سبقه النبي ﷺ ببعضها ، قال : فثبت معه ، فلما قضى رسول الله ﷺ قام فقضى ، فقال رسول الله ﷺ : " إنه قد سن لكم معاذ ، فهكذا فاصنعوا "
فهذه ثلاثة أحوال . وأما أحوال الصيام فإن رسول الله ﷺ قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) . إلى قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، فأجزأ ذلك عنه
ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حالان . قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له : صرمة ، كان يعمل صائما حتى أمسى ، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب ، حتى أصبح فأصبح صائما ، فرآه رسول الله ﷺ وقد جهد جهدا شديدا ، فقال : ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا ؟ قال : يا رسول الله ، إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما
قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام ، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له ، فأنزل الله عز وجل : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وأخرجه أبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث المسعودي ، به . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : كان عاشوراء يصام ، فلما نزل فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر
وروى البخاري عن ابن عمر وابن مسعود ، مثله . وقوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) كما قال معاذ : كان في ابتداء الأمر : من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا
وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) كان من أراد أن يفطر يفتدي ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها . وروي أيضا من حديث عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : هي منسوخة . وقال السدي ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : يقول : ( وعلى الذين يطيقونه ) أي : يتجشمونه ، قال عبد الله : فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ( فمن تطوع ) قال : يقول : أطعم مسكينا آخر ( فهو خير له وأن تصوموا خير لكم ) فكانوا كذلك حتى نسختها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وقال البخاري أيضا : حدثنا إسحاق ، أخبرنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "
قال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه . وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( قال ) نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا . وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا الحسين بن محمد بن بهرام المحرمي ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن ابن أبي ليلى ، قال : دخلت على عطاء في رمضان ، وهو يأكل ، فقال : قال ابن عباس : نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية فنسخت الأولى ، إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر
فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه ، بقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وأما الشيخ الفاني ( الهرم ) الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه ، لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء ، ولكن هل يجب عليه ( إذا أفطر ) أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جدة ؟ فيه قولان للعلماء ، أحدهما : لا يجب عليه إطعام ; لأنه ضعيف عنه لسنه ، فلم يجب عليه فدية كالصبي ; لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهو أحد قولي الشافعي
والثاني وهو الصحيح ، وعليه أكثر العلماء : أنه يجب عليه فدية عن كل يوم ، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ : ( وعلى الذين يطيقونه ) أي : يتجشمونه ، كما قاله ابن مسعود وغيره ، وهو اختيار البخاري فإنه قال : وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام ، فقد أطعم أنس بعد أن كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما ، وأفطر . وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده ، فقال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا عمران ، عن أيوب بن أبي تميمة قال : ضعف أنس ( بن مالك ) عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم . ورواه عبد بن حميد ، عن روح بن عبادة ، عن عمران وهو ابن حدير عن أيوب ، به . ورواه عبد أيضا ، من حديث ستة من أصحاب أنس ، عن أنس بمعناه . ومما يلتحق بهذا المعنى : الحامل والمرضع ، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، ففيهما خلاف كثير بين العلماء ، فمنهم من قال : يفطران ويفديان ويقضيان
وقيل : يفديان فقط ، ولا قضاء
وقيل : يجب القضاء بلا فدية
وقيل : يفطران ، ولا فدية ولا قضاء
وقد بسطنا هذه المسألة مستقصاة في كتاب الصيام الذي أفردناه
ولله الحمد والمنة .

أياما معدودات القول في تأويل قوله تعالى : ( أياما معدودات ) يعني تعالى ذكره : كتب عليكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات . ونصب " أياما " بمضمر من الفعل , كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات , كما يقال : أعجبني الضرب زيدا وقوله : ( كما كتب على الذين من قبلكم ) من الصيام , كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات . ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : ( أياما معدودات ) فقال بعضهم : الأيام المعدودات : صوم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان . ذكر من قال ذلك : 2241 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر , ولم يسم الشهر أياما معدودات , قال : وكان هذا صيام الناس قبل ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان . 2242 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وكان ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان , فهذا الصوم الأول من العتمة . 2243 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل : أن رسول الله ﷺ قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر , ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان , فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) حتى بلغ : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) 2244 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر . وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله ﷺ يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوعا صومهن , وإنما عنى الله جل وعز بقوله : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . أياما معدودات ) أيام شهر رمضان , لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان . ذكر من قال ذلك : 2245 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة , عن عمرو بن مرة قال : ثنا أصحابنا : أن رسول الله ﷺ لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة ; قال , ثم نزل صيام رمضان قال أبو موسى : قوله قال عمرو بن مرة , حدثنا أصحابنا , يريد ابن أبي ليلى , كان ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو داود قال : ثنا شعبة , قال : سمعت عمرو بن مرة , قال : سمعت ابن أبي ليلى , فذكر نحوه . وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) شهر رمضان . وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : ( أياما معدودات ) أيام شهر رمضان , وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان , ثم نسخ بصوم شهر رمضان , وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبانته , عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) 2 185 فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة , إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر . وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا , فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : ( كتب عليكم الصيام ) : كتب عليكم شهر رمضان . وأما المعدودات : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها , وعنى بقوله معدودات : محصيات .فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين القول في تأويل قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) يعني بقوله جل ثناؤه : من كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر . يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر , يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره . والرفع في قوله : ( فعدة من أيام أخر ) نظير الرفع في قوله : ( فاتباع بالمعروف ) 2 178 وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فإن قراءة كافة المسلمين : ( وعلى الذين يطيقونه ) وعلى ذلك خطوط مصاحفهم , وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن . وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " . ثم اختلف قراء ذلك : ( وعلى الذين يطيقونه ) في معناه , فقال بعضهم : كان ذلك في أول ما فرض الصوم , وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء , وإن شاء أفطره وافتدى فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا حتى نسخ ذلك . ذكر من قال ذلك : 2246 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة , عن عمرو بن مرة , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل قال : " إن رسول الله ﷺ قدم المدينة , فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام . من كل شهر , ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان فأنزل الله تعالى ذكره : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) حتى بلغ : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء صام , ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم فأنزل الله عز وجل : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر ) . . إلى آخر الآية " . 2247 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر عن شعبة , عن عمرو بن مرة , قال : حدثنا أصحابنا وأن رسول الله ﷺ لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة , قال : ثم نزل صيام رمضان , قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام , قال : وكان يشتد عليهم الصوم , قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا , ثم نزلت هذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فكانت الرخصة للمريض والمسافر , وأمرنا بالصيام " . قال محمد بن المثنى : قوله قال عمرو , حدثنا أصحابنا : يريد ابن أبي ليلى , كأن ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت عمرو بن مرة , قال : سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه . 2248 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم , عن علقمة في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : كان من شاء صام , ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا , فنسخها ( شهر رمضان ) إلى قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) 2249 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم بنحوه , وزاد فيه قال : فنسختها هذه الآية , وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع . 2250 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة , قال : ثنا الحسين , عن يزيد النحوي , عن عكرمة والحسن البصري قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان من شاء منهم أن يصوم صام , ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ثم استثنى من ذلك فقال : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) * - حدثنا أبو هشام الرفاعي , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سألت الأعمش عن قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة , قالا : نسختها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) 2251 - حدثنا عمر بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا عبد الله , عن نافع , عن ابن عمر , قال : نسخت هذه الآية - يعني : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) - التي بعدها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت الأعمش , عن إبراهيم , عن علقمة في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : نسختها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) 2252 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما , ثم نزلت هذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر . * - حدثنا هناد بن السري , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن الشعبي , قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين , ثم نزلت هذه الآية : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر . 2253 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن ابن أبي ليلى , قال : دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان فقال : إني شيخ كبير إن الصوم نزل , فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا , حتى نزلت هذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فوجب الصوم على كل أحد إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي . 2254 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب , قال : قال الله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) قال ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا , فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر , ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام , فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية , وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام , والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام . 2255 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين , فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر كان ذلك رخصة له , فأنزل الله في الصوم الآخر : ( فعدة من أيام أخر ) ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين , فنسخت الفدية , وثبت في الصوم الآخر : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وهو الإفطار في السفر , وجعله عدة من أيام أخر . 2256 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : أخبرني عمي عبد الله بن وهب , قال : أخبرني عمرو بن الحرث , قال بكر بن عبد الله , عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع , عن سلمة بن الأكوع أنه قال : كنا في عهد رسول الله ﷺ من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين , حتى أنزلت : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن عاصم الأحول , عن الشعبي في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : كانت الناس كلهم , فلما نزلت : ( فمن شهد منكم الشهر فليصم ) أمروا بالصوم والقضاء , فقال : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) 2257 - حدثنا هناد , قال : ثنا علي بن مسهر , عن الأعمش , عن إبراهيم في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : نسختها الآية التي بعدها : ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) . 2258 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن محمد بن سليمان , عن ابن سيرين , عن عبيدة : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : نسختها الآية التي تليها : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) 2259 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : ثنا الفضل بن خالد , قال : ثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : ( كتب عليكم الصيام ) الآية , فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة , فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة , ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله , وهو قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) 2 187 وأحل الجماع أيضا فقال : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) 2 187 وكان في الصوم الأول الفدية , فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك , ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية , وقال : ( فعدة من أيام أخر ) فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية . وقال آخرون : بل كان قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا , ثم نسخ ذلك بقوله , ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله . ذكر من قال ذلك . 2260 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن عروة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا , ثم نسخ ذلك بعد ذلك : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم , وللحبلى والمرضع إذا خافتا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سعيد , عن قتادة , عن عروة عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : ( وعلى الذين يطيقونه ) قال : الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد . 2261 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا معاذ بن هشام , قال : حدثني أبي , عن قتادة , عن عكرمة , قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : فكانت لهم الرخصة ثم نسخت بهذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم . وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما . 2262 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج بن المنهال , قال , ثنا همام بن يحيى , قال : سمعت قتادة يقول في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا , ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : ( شهر رمضان ) إلى قوله : ( فعدة من أيام أخر ) فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا , وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها , وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها . 2263 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان , فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك , وعليهما الفدية لكل يوم يفطر أنه طعام مسكين , فأنزل الله بعد ذلك : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله : ( فعدة من أيام أخر ) وقال آخرون ممن قرأ ذلك : ( وعلى الذين يطيقونه ) لم ينسخ ذلك ولا شيء منه , وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة . وقالوا : إنما تأويل ذلك : على الذين يطيقونه - وفي حال شبابهم وحداثتهم , وفي حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم - فدية طعام مسكين ; لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا . ذكر من قال ذلك : 2264 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : أما الذين يطيقونه فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل , أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ; فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين , فإن أطعم مسكينا فهو خير له , ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له . 2265 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة ; عن عروة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان , قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صوما . 2266 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا , فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه , عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ولا قضاء عليك . 2267 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبدة , عن سعيد , عن نافع , عن علي بن ثابت , عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع . * - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد عن قتادة , قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه , عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها . 2268 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب فكبر , وهو لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره حين يفطر وحين يتسحر . 2269 - حدثنا هناد , قال : حدثنا عبدة , عن منصور عن مجاهد , عن ابن عباس نحوه , غير أنه لم يقل حين يفطر وحين يتسحر . 2270 - حدثنا هناد , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , عن عبد الرحمن بن حرملة , عن سعيد بن المسيب أنه قال : في قول الله تعالى ذكره : ( فدية طعام مسكين ) قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه , وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان . وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم , فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه , فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت لم تنسخ , وأنكروا قول من قال إنها منسوخة . ذكر من قال ذلك : 2271 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , ثنا ابن جريج , عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : ( يطوقونه ) 2272 - حدثنا هناد , قال : ثنا علي بن مسهر , عن عصام , عن عكرمة , عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ) . قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة . * - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : ( وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ) قال : وكان يقول هي للناس اليوم قائمة . 2273 - حدثنا هناد , قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : ( وعلى الذين يطوقونه ) ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه . 2274 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : ( وعلى الذين يطوقونه ) وكذلك كان يقرؤها : أنها ليست منسوخة كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا . 2275 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي بشر , عن سعيد بن جبير أنه قرأ : ( وعلى الذين يطوقونه ) 2276 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع , عن عمران بن حدير , عن عكرمة , قال : الذين يطيقونه يصومونه ولكن الذين يطوقونه يعجزون عنه . 2277 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن عباد بن جعفر , عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ : ( يطوقونه ) . 2278 - حدثنا الحسن , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء أنه كان يقرؤها : ( يطوقونه ) قال ابن جريج : وكان مجاهد يقرؤها كذلك . 2279 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا خالد , عن عكرمة ( وعلى الذين يطيقونه ) قال : قال ابن عباس : هو الشيخ الكبير . 2280 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي , قال : أخبرنا شريك , عن سالم , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : ( وعلى الذين يطوقونه ) قال : يتجشمونه , يتكلفونه . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , عن مسلم الملائي , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا . 2281 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله : ( وعلى الذين يطيقونه ) قال : يكلفونه , ( فدية طعام مسكين ) واحد , قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام , أو مريض يعلم أنه لا يشفى . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : ( الذين يطيقونه ) يتكلفونه ( فدية طعام مسكين ) واحد ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم , أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى هذا عن مجاهد . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة . 2282 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا , والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم . 2283 - حدثنا هناد , قال : ثنا عبيدة , عن منصور , عن مجاهد , عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : هو الشيخ الكبير والمرء الذي كان يصوم في شبابه , فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت , فهو يطعم كل يوم مسكينا . قال هناد : قال عبيدة : قيل لمنصور الذي يطعم كل يوم نصف صاع ؟ قال : نعم . 2284 - حدثنا هناد , قال : ثنا مروان بن معاوية , عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان , ووافق حرا شديدا , فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض , فإن الله يقول : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) . * - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو معاوية , عن عاصم , عن عكرمة , عن ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطرون في رمضان , ويطعمون عن كل يوم مسكينا . ثم قرأ : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) . 2285 - حدثنا علي بن سعد الكندي , قال : ثنا حفص عن حجاج , عن أبي إسحاق , عن الحرث , عن علي في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس قال : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه , الشيخ والشيخة . 2286 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , عن الحجاج , عن أبي إسحاق , عن الحرث , عن علي قال : هو الشيخ والشيخة . 2287 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد , عن عمران بن حدير , عن عكرمة أنه كان يقرؤها : ( وعلى الذين يطيقونه ) فأفطروا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن عاصم عمن حدثه عن ابن عباس , قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل وعلى الذين يطيقون الصيام . 2288 - حدثنا المثنى , قال . ثنا سويد , قال , ثنا ابن المبارك , عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) ؟ قال , بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين , قلت : الكبير الذي لا يستطيع الصوم , أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد ؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء , فأما من استطاع بجهد فليصمه ولا عذر له في تركه . 2289 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني عبد الله بن أبي يزيد : ( وعلى الذين يطيقونه ) الآية , كأنه يعني الشيخ الكبير . قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين قلت له : كم طعامه ؟ قال : لا أدري , غير أنه قال : طعام يوم . 2290 - حدثني المثنى , قاله : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن الحسن بن يحيى , عن الضحاك في قوله : ( فدية طعام مسكين ) قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قاله . ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) منسوخ بقول الله تعالى ذكره : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) لأن الهاء التي في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) من ذكر الصيام . ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك , وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين , كان معلوما أن الآية منسوخة . هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله ﷺ في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم , وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فألزموا فرض صومه , وبطل الخيار والفدية . فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه , وقد علمت قول من قال : الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الإفطار , وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما , مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله ﷺ الذي : 2291 - حدثنا به هناد بن السري , قال : ثنا قبيصة , عن سفيان , عن أيوب , عن أبي قلابة , عن أنس , قال : أتيت رسول الله ﷺ وهو يتغدى فقال : " تعال أحدثك , إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " . قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع , وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ; لأن ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال ; فلما قيل : ( وعلى الذين يطيقونه ) كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء , أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الإفطار والافتداء , فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية , وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه , والتنزيل بغير ذلك . وأما الخبر الذي روي عن النبي ﷺ فإنه إن كان صحيحا , فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا , كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه , لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء , ولو كان في قول النبي ﷺ : " إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " دلالة على أنه ﷺ إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء , وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ; لأن النبي ﷺ قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع , وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام . وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) وعلى الذين يطيقون الطعام , وذلك لتأويل أهل العلم مخالف . وأما قراءة من قرأ ذلك : ( وعلى الذين يطوقونه ) فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف , وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم ﷺ نقلا ظاهرا قاطعا للعذر , لأن ما جاءت به الحجة من الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله , ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة . وأما معنى " الفدية " فإنه الجزاء من قولك : فديت هذا بهذا : أي جزيته به , وأعطيته بدلا منه . ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه . وأما قوله : ( فدية طعام مسكين ) فإن القراء مختلفة في قراءته , فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلى الطعام , وخفض الطعام ; وذلك قراءة معظم قراء أهل المدينة ; بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين ; فلما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلى الطعام , كما يقال : لزمني غرامة درهم لك بمعنى لزمني أن أغرم لك درهما , وآخرون يقرءونه بتنوين الفدية ; ورفع الطعام بمعنى الإبانة في الطعام عن معنى الفدية الواجبة على من أفطر في صومه الواجب , كما يقال لزمني غرامة درهم لك , فتبين بالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدها , وذلك قراءة معظم قراء أهل العراق . وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " فدية طعام " بإضافة الفدية إلى الطعام , لأن الفدية اسم للفعل , وهي غير الطعام المفدى به الصوم . وذلك أن الفدية مصدر من قول القائل : فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين , أفديه فدية , كما يقال : جلست جلسة , ومشيت مشية , والفدية فعل والطعام غيرها . فإذا كان ذلك كذلك , فبين أن أصح القراءتين إضافة الفدية إلى الطعام , وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة الفدية إلى الطعام أصح في المعنى من أجل أن الطعام عنده هو الفدية . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن الفدية مقتضية مفديا ومفديا به وفدية , فإن كان الطعام هو الفدية والصوم هو المفدي به , فأين اسم فعل المفتدي الذي هو فدية ؟ إن هذا القول خطأ بين غير مشكل . وأما الطعام فإنه مضاف إلى المسكين والقراء في قراءة ذلك مختلفون , فقرأه بعضهم بتوحيد المسكين بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين واحد لكل يوم أفطره . كما : 2292 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي , قال : ثنا حسين الجعفي , عن أبي عمرو : أنه قرأ " فدية " رفع منون " طعام " رفع بغير تنوين " مسكين " . وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق . وقرأه آخرون بجمع المساكين : ( فدية طعام مساكين ) بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر إذا أفطر الشهر كله . كما : 2293 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي , عن يعقوب , عن بشار , عن عمرو , عن الحسن : طعام مساكين عن الشهر كله . وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ طعام مسكين على الواحد بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين ; لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر , وأن كل واحد يترجم عن الجميع وأن الجميع لا يترجم به عن الواحد , فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد . واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا , فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح . وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم مدا من قمح ومن سائر أقواتهم . وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح أو صاعا من تمر أو زبيب . وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره . وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء يكون للمسكين إفطارا . وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل فكرهنا إعادة ذكرها .فمن تطوع خيرا فهو خير له القول في تأويل قوله تعالى : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم بما : 2294 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد وعطاء , عن ابن عباس : ( فمن تطوع خيرا ) فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له , ( وأن تصوموا خير لكم ) . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عمرو بن دينار , عن عطاء , عن ابن عباس مثله . 2295 - حدثنا هناد , قال : ثنا وكيع عن سفيان , عن خصيف , عن مجاهد في قوله : ( فمن تطوع خيرا ) قال , من أطعم المسكين صاعا . 2296 - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) قال : إطعام مساكين عن كل يوم فهو خير له . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن حنظلة , عن طاوس : ( فمن تطوع خيرا ) قال : طعام مسكين . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن حنظلة , عن طاوس نحوه . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن ليث عن طاوس : ( فمن تطوع خيرا ) قال : طعام مسكين . * - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج . قال : حدثنا حماد , عن ليث , عن طاوس , مثله . 2297 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عمر بن هارون , قال : ثنا ابن جريج , عن عطاء أنه قرأ : ( فمن تطوع ) بالتاء خفيفة ( الطاء ) ( خيرا ) , قال : زاد على مسكين . 2298 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) فإن أطعم مسكينين فهو خير له . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني ابن طاوس عن أبيه : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) قال : من أطعم مسكينا آخر . وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية . ذكر من قال ذلك : 2299 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : أخبرني يونس , عن ابن شهاب : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له . وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه . ذكر من قال ذلك : 2300 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : ( فمن تطوع خيرا ) فزاد طعاما فهو خير له . والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله : ( فمن تطوع خيرا ) فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض , فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير . وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله : ( فمن تطوع خيرا ) أي هذه المعاني تطوع به المفتدي من صومه ( فهو خير له ) لأن كل ذلك من تطوع الخير ونوافل الفضل .وأن تصوموا خير لكم القول في تأويل قوله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) يعني تعالى ذكره بقوله : ( وأن تصوموا ) ما كتب عليكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا . كما : 2301 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( وأن تصوموا خير لكم ) ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له . 2302 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس , عن ابن شهاب : ( وأن تصوموا خير لكم ) أي أن الصيام خير لكم من الفدية . 2303 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ( وأن تصوموا خير لكم ) .إن كنتم تعلمون وأما قوله : ( إن كنتم تعلمون ) فإنه يعني : إن كنتم تعلمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية أو الصوم على ما أمركم الله به .

الآية 184 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (184) - Surat Al-Baqarah

[Fasting for] a limited number of days. So whoever among you is ill or on a journey [during them] - then an equal number of days [are to be made up]. And upon those who are able [to fast, but with hardship] - a ransom [as substitute] of feeding a poor person [each day]. And whoever volunteers excess - it is better for him. But to fast is best for you, if you only knew

الآية 184 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (184) - Сура Al-Baqarah

Поститься следует считанное количество дней. А если кто из вас болен или находится в пути, то пусть постится столько же дней в другое время. А тем, которые способны поститься с трудом, следует в искупление накормить бедняка. А если кто добровольно совершает доброе дело, то тем лучше для него. Но вам лучше поститься, если бы вы только знали

الآية 184 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (184) - سوره البَقَرَة

چند مقرر دنوں کے روزے ہیں اگر تم میں سے کوئی بیمار ہو، یا سفر پر ہو تو دوسرے دنوں میں اتنی ہی تعداد پوری کر لے اور جو لوگ روزہ رکھنے کی قدرت رکھتے ہوں (پھر نہ رکھیں) تو وہ فدیہ دیں ایک روزے کا فدیہ ایک مسکین کو کھانا کھلانا ہے اور جو اپنی خوشی سے کچھ زیادہ بھلائی کرے تو یہ اسی کے لیے بہتر ہے لیکن اگر تم سمجھو، تو تمہارے حق میں اچھا یہی ہے کہ روزہ رکھو

الآية 184 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (184) - Ayet البَقَرَة

Ey İnananlar! Oruç, sizden öncekilere farz kılındığı gibi, Allah'a karşı gelmekten sakınasınız diye, size sayılı günlerde farz kılındı. İçinizden hasta olan veya yolculukta bulunan, tutamadığı günlerin sayısınca diğer günlerde tutar. Oruca dayanamıyanlar, bir düşkünü doyuracak kadar fidye verir. Kim gönülden iyilik yaparsa o iyilik kendisinedir. Oruç tutmanız eğer bilirseniz sizin için hayırlıdır

الآية 184 من سورة البَقَرَة باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (184) - versículo البَقَرَة

Son días contados [el mes de Ramadán]. Quien esté enfermo o de viaje y no ayune, deberá reponer posteriormente los días no ayunados. Quienes puedan [pero con mucha dificultad por la vejez] y no lo hagan, deberán alimentar a un pobre [por cada día no ayunado]. Pero quien voluntariamente alimente a más de un pobre, será más beneficioso para él. Y ayunar es mejor para ustedes, si supieran