مشاركة ونشر

أنت تتصفح حالياً نسخة بسيطة، أضغط هنا للانتقال الى استخدام النسخة التفاعلية

تفسير الآية المئتين والتاسعة والعشرين (٢٢٩) من سورة البَقَرَة

الأستماع وقراءة وتفسير الآية المئتين والتاسعة والعشرين من سورة البَقَرَة ، وترجمتها باللغة الانجليزية والروسية والاوردو والأسبانية وإعراب الآية ومواضيع الآية وموضعها في القرآن الكريم

ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴿٢٢٩
تغير القارئ

متصفحك لا يدعم صوت HTML5

إعراب الآية 229 من سورة البَقَرَة

(الطَّلاقُ) مبتدأ (مَرَّتانِ) خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى (فَإِمْساكٌ) الفاء فاء الفصيحة إمساك مبتدأ لخبر محذوف تقديره فعليكم إمساك. (بِمَعْرُوفٍ) متعلقان بإمساك (أَوْ تَسْرِيحٌ) أو حرف عطف تسريح عطف على إمساك (بِإِحْسانٍ) متعلقان بتسريح (وَلا) الواو استئنافية لا نافية (يَحِلُّ) فعل مضارع (لَكُمْ) متعلقان بيحل (أَنْ) حرف ناصب (تَأْخُذُوا) مضارع منصوب بحذف النون والمصدر المؤول في محل رفع فاعل يحل والجملة مستأنفة (مِمَّا) متعلقان بتأخذوا (آتَيْتُمُوهُنَّ) فعل ماض والتاء تاء الفاعل والهاء مفعول به والنون لجمع الإناث، وأشبعت ضمتها فنشأت الواو والجملة صلة الموصول (شَيْئًا) مفعول به لتأخذوا (إِلَّا) أداة استثناء (أَنْ) حرف ناصب (يَخافا) مضارع منصوب بحذف النون والألف فاعل وان وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال والتقدير: (إلا خائفين) (إِلَّا) أن حرف ناصب لا نافية (يُقِيما) فعل مضارع منصوب والفعل مع أن في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به (حُدُودَ) مفعول به (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (فَإِنْ) الفاء استئنافية إن شرطية (خِفْتُمْ) فعل ماض وفاعل وهو في محل جزم فعل الشرط والجملة ابتدائية لا محل لها (أَلَّا يُقِيما) المصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب مفعول به لخفتم. (حُدُودَ اللَّهِ) سبق إعرابها. (فَلا) الفاء رابطة للجواب لا نافية للجنس (جُناحَ) اسمها مبني على الفتح (عَلَيْهِما) متعلقان بمحذوف خبر لا (فِيمَا) متعلقان بمحذوف خبر (افْتَدَتْ) فعل ماض والجملة صلة الموصول (بِهِ) متعلقان بافتدت وجملة: (فلا جناح) في محل جزم جواب الشرط (تِلْكَ) اسم إشارة مبتدأ (حُدُودَ) خبر (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة مستأنفة. (فَلا) الفاء فاء الفصيحة لا ناهية جازمة (تَعْتَدُوها) مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به، والجملة لا محل لها جواب شرط مقدر (وَمَنْ) الواو استئنافية من اسم شرط جازم مبتدأ (يَتَعَدَّ) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل هو (حُدُودَ) مفعول به (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (فَأُولئِكَ) الفاء رابطة لجواب الشرط أولئك مبتدأ (هُمُ) مبتدأ ثان (الظَّالِمُونَ) خبره والجملة الاسمية (هُمُ الظَّالِمُونَ) خبر أولئك وجملة (فَأُولئِكَ) في محل جزم جواب الشرط. وفعل الشرط وجوابه خبر من.

موضعها في القرآن الكريم

هي الآية رقم (229) من سورة البَقَرَة تقع في الصفحة (36) من القرآن الكريم، في الجزء رقم (2) ، وهي الآية رقم (236) من أصل 6236 آية في القرآن الكريم

مواضيع مرتبطة بالآية (6 مواضع) :

معاني الآية بعض الكلمات في الآية 229 من سورة البَقَرَة

الطلاق مرّتان : التطليق الرّجعي مرّة بعد مرّة ، تسريح بإحسان : طلاق مع أداء الحقوق و عدم المصارّة ، تلك حدود الله : أحكامه المفروضة

الآية 229 من سورة البَقَرَة بدون تشكيل

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ﴿٢٢٩

تفسير الآية 229 من سورة البَقَرَة

الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان، واحدة بعد الأخرى، فحكم الله بعد كل طلقة هو إمساك المرأة بالمعروف، وحسن العشرة بعد مراجعتها، أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها، وألا يذكرها مطلقها بسوء. ولا يحل لكم- أيها الأزواج- أن تأخذوا شيئًا مما أعطيتموهن من المهر ونحوه، إلا أن يخاف الزوجان ألا يقوما بالحقوق الزوجية، فحينئذ يعرضان أمرهما على الأولياء، فإن خاف الأولياء عدم إقامة الزوجين حدود الله، فلا حرج على الزوجين فيما تدفعه المرأة للزوج مقابل طلاقها. تلك الأحكام هي حدود الله الفاصلة بين الحلال والحرام، فلا تتجاوزوها، ومن يتجاوز حدود الله تعالى فأولئك هم الظالمون أنفسهم بتعريضها لعذاب الله.

(الطلاق) أي التطليق الذي يراجع بعده (مرتان) أي اثنتان (فإمساك) أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن (بمعروف) من غير ضرار (أو تسريح) أي إرسالهن (بإحسان ولا يحل لكم) أيها الأزواج (أن تأخذوا مما آتيتموهن) من المهور (شيئا) إذا طلقتموهن (إلا أن يخافا) أي الزوجان (أ) ن (لا يقيما حدود الله) أي لا يأتيا بما حده لهما من الحقوق وفي قراءة يخافا بالبناء للمفعول فأن لا يقيما بدل اشتمال من الضمير فيه وقرئ بالفوقانية في الفعلين (فإن خفتم أ) ن (لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما) (فيما افتدت به) نفسها من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون).

كان الطلاق في الجاهلية, واستمر أول الإسلام, يطلق الرجل زوجته بلا نهاية، فكان إذا أراد مضارتها, طلقها, فإذا شارفت انقضاء عدتها, راجعها, ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا, فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم، فأخبر تعالى أن ( الطَّلَاقَ ) أي: الذي تحصل به الرجعة ( مَرَّتَانِ ) ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها, ويراجع رأيه في هذه المدة، وأما ما فوقها, فليس محلا لذلك, لأن من زاد على الثنتين, فإما متجرئ على المحرم, أو ليس له رغبة في إمساكها, بل قصده المضارة، فلهذا أمر تعالى الزوج, أن يمسك زوجته ( بِمَعْرُوفٍ ) أي: عشرة حسنة, ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم, وهذا هو الأرجح, وإلا يسرحها ويفارقها ( بِإِحْسَانٍ ) ومن الإحسان, أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها, لأنه ظلم, وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء, فلهذا قال: ( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) وهي المخالعة بالمعروف, بأن كرهت الزوجة زوجها, لخلقه أو خلقه أو نقص دينه, وخافت أن لا تطيع الله فيه، ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة، وفي هذا مشروعية الخلع, إذا وجدت هذه الحكمة. ( تِلْكَ ) أي ما تقدم من الأحكام الشرعية ( حُدُودُ اللَّهِ ) أي: أحكامه التي شرعها لكم, وأمر بالوقوف معها، ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال, وتعدى منه إلى الحرام, فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: ظلم العبد فيما بينه وبين الله, وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك, وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة, وحقوق العباد, لا يترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك, تحت المشيئة والحكمة

هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته ، وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة ، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم الله عز وجل إلى ثلاث طلقات ، وأباح الرجعة في المرة والثنتين ، وأبانها بالكلية في الثالثة ، فقال : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال أبو داود ، رحمه الله ، في سننه : " باب في نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث " : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، حدثني علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية : وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها ، وإن طلقها ثلاثا ، فنسخ ذلك فقال : الطلاق مرتان الآية . ورواه النسائي عن زكريا بن يحيى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن علي بن الحسين ، به . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن رجلا قال لامرأته : لا أطلقك أبدا ولا آويك أبدا


قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلقك ، حتى إذا دنا أجلك راجعتك
فأتت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك فأنزل الله عز وجل : ( الطلاق مرتان وهكذا رواه ابن جرير في تفسيره من طريق جرير بن عبد الحميد ، وابن إدريس
ورواه عبد بن حميد في تفسيره ، عن جعفر بن عون ، كلهم عن هشام ، عن أبيه
قال : كان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ما شاء ، ما دامت في العدة ، وإن رجلا من الأنصار غضب على امرأته فقال : والله لا آويك ولا أفارقك
قالت : وكيف ذلك
قال : أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك ، ثم أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك
فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ ، فأنزل الله عز وجل : ( الطلاق مرتان قال : فاستقبل الناس الطلاق ، من كان طلق ومن لم يكن طلق . وقد رواه أبو بكر بن مردويه ، من طريق محمد بن سليمان ، عن يعلى بن شبيب مولى الزبير عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة فذكره بنحو ما تقدم
ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن يعلى بن شبيب به
ثم رواه عن أبي كريب ، عن ابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا
قال : هذا أصح
ورواه الحاكم في مستدركه ، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب ، عن يعلى بن شبيب به ، وقال صحيح الإسناد . ثم قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لم يكن للطلاق وقت ، يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة ، وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال : والله لأتركنك لا أيما ولا ذات زوج ، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ، ففعل ذلك مرارا ، فأنزل الله عز وجل فيه : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فوقت الطلاق ثلاثا لا رجعة فيه بعد الثالثة ، حتى تنكح زوجا غيره
وهكذا روي عن قتادة مرسلا
وذكره السدي ، وابن زيد ، وابن جرير كذلك ، واختار أن هذا تفسير هذه الآية . وقوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أي : إذا طلقتها واحدة أو اثنتين ، فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية ، بين أن تردها إليك ناويا الإصلاح بها والإحسان إليها ، وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها ، فتبين منك ، وتطلق سراحها محسنا إليها ، لا تظلمها من حقها شيئا ، ولا تضار بها . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين ، فليتق الله في الثالثة ، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها أو يسرحها ( بإحسان ) فلا يظلمها من حقها شيئا . وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني سفيان الثوري ، حدثني إسماعيل بن سميع ، قال : سمعت أبا رزين يقول : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عز وجل : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أين الثالثة ؟ قال : " التسريح بإحسان " . ورواه عبد بن حميد في تفسيره ، ولفظه : أخبرنا يزيد بن أبي حكيم ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، أن أبا رزين الأسدي يقول : قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت قول الله : " الطلاق مرتان " ، فأين الثالثة ؟ قال : " التسريح بإحسان الثالثة " . ورواه الإمام أحمد أيضا
وهكذا رواه سعيد بن منصور ، عن خالد بن عبد الله ، عن إسماعيل بن زكريا وأبي معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، به
وكذا رواه قيس بن الربيع ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين به مرسلا
ورواه ابن مردويه ( أيضا ) من طريق عبد الواحد بن زياد ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ ، فذكره
ثم قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم ، حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة حدثنا ابن عائشة حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ، ذكر الله الطلاق مرتين ، فأين الثالثة ؟ قال : " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . وقوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) أي : لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن ، ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه ، كما قال تعالى : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ( النساء : 19 ) فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها
فقد قال تعالى : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) ( النساء : 4 ) وأما إذا تشاقق الزوجان ، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته ، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ، ولا حرج عليها في بذلها ، ولا عليه في قبول ذلك منها ; ولهذا قال تعالى : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به الآية . فأما إذا لم يكن لها عذر وسألت الافتداء منه ، فقد قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية قالا جميعا : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عمن حدثه ، عن ثوبان ، أن رسول الله ﷺ قال : " أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة " . وهكذا رواه الترمذي ، عن بندار ، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي به
وقال حسن : قال : ويروى ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان
ورواه بعضهم ، عن أيوب بهذا الإسناد
ولم يرفعه . وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : وذكر أبا أسماء وذكر ثوبان قال : قال رسول الله ﷺ : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " . وهكذا رواه أبو داود ، وابن ماجه ، وابن جرير ، من حديث حماد بن زيد ، به . طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ ، عن النبي ﷺ أنه قال : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس ، حرم الله عليها رائحة الجنة "
وقال : " المختلعات هن المنافقات " . ثم رواه ابن جرير والترمذي جميعا ، عن أبي كريب ، عن مزاحم بن ذواد بن علبة ، عن أبيه ، عن ليث ، هو ابن أبي سليم عن أبي الخطاب ، عن أبي زرعة ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ﷺ : " المختلعات هن المنافقات "
ثم قال الترمذي : غريب من هذا الوجه ، وليس إسناده بالقوي . حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا حفص بن بشر ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن أشعث بن سوار ، عن الحسن عن ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله ﷺ : " إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات " غريب من هذا الوجه ضعيف . حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا بكر بن خلف أبو بشر ، حدثنا أبو عاصم ، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ، عن عمه عمارة بن ثوبان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله ﷺ قال : " لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " . حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن الحسن عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ : " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات " . ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف : إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة ، فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية ، واحتجوا بقوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله )
قالوا : فلم يشرع الخلع إلا في هذه الحالة ، فلا يجوز في غيرها إلا بدليل ، والأصل عدمه ، وممن ذهب إلى هذا ابن عباس ، وطاوس ، وإبراهيم ، وعطاء ، ( والحسن ) والجمهور ، حتى قال مالك والأوزاعي : لو أخذ منها شيئا وهو مضار لها وجب رده إليها ، وكان الطلاق رجعيا
قال مالك : وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه
وذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجوز الخلع في حالة الشقاق ، وعند الاتفاق بطريق الأولى والأحرى ، وهذا قول جميع أصحابه قاطبة
وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستذكار " له ، عن بكر بن عبد الله المزني ، أنه ذهب إلى أن الخلع منسوخ بقوله : ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا )
( النساء : 20 )
ورواه ابن جرير عنه وهذا قول ضعيف ومأخذ مردود على قائله
وقد ذكر ابن جرير ، رحمه الله ، أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس وامرأته حبيبة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول
ولنذكر طرق حديثها ، واختلاف ألفاظه : قال الإمام مالك في موطئه : عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية ، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله ﷺ خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس ، فقال رسول الله ﷺ : " من هذه ؟ " قالت : أنا حبيبة بنت سهل
فقال : " ما شأنك ؟ " فقالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله ﷺ : " هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر "
فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي
فقال رسول الله ﷺ : " خذ منها "
فأخذ منها وجلست في أهلها . وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بإسناده مثله
ورواه أبو داود ، عن القعنبي ، عن مالك
والنسائي ، عن محمد بن مسلمة ، عن ابن القاسم ، عن مالك به . حديث آخر : عن عائشة : قال أبو داود وابن جرير : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا أبو عمرو السدوسي ، عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة ، عن عائشة ، أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، فضربها فكسر نغضها فأتت رسول الله ﷺ بعد الصبح فاشتكته إليه ، فدعا رسول الله ﷺ ثابتا فقال : " خذ بعض مالها وفارقها "
قال : ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال : " نعم "
قال : فإني أصدقتها حديقتين ، فهما بيدها
فقال النبي ﷺ : " خذهما وفارقها "
ففعل . وهذا لفظ ابن جرير
وأبو عمرو السدوسي هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام . حديث آخر فيه : عن ابن عباس رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا أزهر بن جميل ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي ﷺ ، فقالت : يا رسول الله ، ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكن أكره الكفر في الإسلام
فقال رسول الله ﷺ : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم
قال رسول الله ﷺ : " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " . وكذا رواه النسائي ، عن أزهر بن جميل بإسناده ، مثله
ورواه البخاري أيضا ، عن إسحاق الواسطي ، عن خالد هو ابن عبد الله الطحان ، عن خالد ، هو ابن مهران الحذاء ، عن عكرمة به ، نحوه . وهكذا رواه البخاري أيضا من طرق ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، به
وفي بعضها أنها قالت : لا أطيقه ، تعني : بغضا
وهذا الحديث من أفراد البخاري من هذا الوجه . ثم قال : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أن جميلة رضي الله عنها
كذا قال ، والمشهور أن اسمها حبيبة ( كما تقدم ) . قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا أزهر بن مروان الرقاشي ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن جميلة بنت سلول أتت النبي ﷺ فقالت : والله ما أعتب على ثابت بن قيس بن شماس في دين ولا خلق ، ولكنني أكره الكفر بعد الإسلام ، لا أطيقه بغضا
فقال النبي ﷺ : " تردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ، فأمره رسول الله ﷺ أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد . وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان ، بإسناده مثله سواء ، وهو إسناد جيد مستقيم
ورواه أيضا أبو القاسم البغوي ، عن عبيد الله القواريري ، عن عبد الأعلى ، مثله ، لكن قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا الحسين بن واقد ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح عن جميلة بنت أبي ابن سلول : أنها كانت تحت ثابت بن قيس ، فنشزت عليه ، فأرسل إليها النبي ﷺ فقال : " يا جميلة ، ما كرهت من ثابت ؟ " قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا ، إلا أني كرهت دمامته ! فقال لها : " أتردين الحديقة ؟ " قالت : نعم
فردت الحديقة ، وفرق بينهما . قال ابن جرير أيضا : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال : قرأت على فضيل ، عن أبي جرير أنه سأل عكرمة : هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي ، أنها أتت رسول الله ﷺ ، فقالت : يا رسول الله ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا ، إني رفعت جانب الخباء ، فرأيته أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا ، وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها
قال زوجها : يا رسول الله ، إني قد أعطيتها أفضل مالي ، حديقة لي ، فإن ردت علي حديقتي ؟ قال : " ما تقولين ؟ " قالت : نعم ، وإن شاء زدته
قال : ففرق بينهما . حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس ، وكان رجلا دميما ، فقالت : يا رسول الله ، والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه ! فقال رسول الله ﷺ : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم
فردت عليه حديقته
قال ففرق بينهما رسول الله ﷺ . وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في أنه : هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها ؟ فذهب الجمهور إلى جواز ذلك ، لعموم قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب ، عن كثير مولى سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز ، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ، ثم دعا بها فقال : كيف وجدت ؟ فقالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليلة التي حبستني
فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن كثير مولى سمرة ، فذكر مثله ، وزاد : فحبسها فيه ثلاثة أيام . قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حميد بن عبد الرحمن : أن امرأة أتت عمر بن الخطاب ، فشكت زوجها ، فأباتها في بيت الزبل
فلما أصبحت قال لها : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة
فقال : خذ ولو عقاصها . وقال البخاري : وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها . وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل : أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب عني
قالت : فكانت مني زلة يوما ، فقلت له : أختلع منك بكل شيء أملكه ؟ قال : نعم
قالت : ففعلت
قالت فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه ، أو قالت : ما دون عقاص الرأس . ومعنى هذا : أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير ، ولا يترك لها سوى عقاص شعرها
وبه يقولابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، وقبيصة بن ذؤيب ، والحسن بن صالح ، وعثمان البتي
وهذا مذهب مالك ، والليث ، والشافعي ، وأبي ثور ، واختاره ابن جرير . وقال أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله : إن كان الإضرار من قبلها جاز أن يأخذ منها ما أعطاها ، ولا تجوز الزيادة عليه ، فإن ازداد جاز في القضاء : وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئا ، فإن أخذ جاز في القضاء . وقال الإمام أحمد ، وأبو عبيد ، وإسحاق ابن راهويه : لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها
وهذا قول سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وعمرو بن شعيب ، والزهري ، وطاوس ، والحسن ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، والربيع بن أنس . وقال معمر ، والحكم : كان علي يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها
وقال الأوزاعي : القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها . قلت : ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قصة ثابت بن قيس : فأمره رسول الله ﷺ أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد ، وبما روى عبد بن حميد حيث قال : أخبرنا قبيصة ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : أن النبي ﷺ كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها يعني المختلعة وحملوا معنى الآية على معنى فلا جناح عليهما فيما افتدت به أي : من الذي أعطاها ; لتقدم قوله : ( ولا ( يحل لكم أن ) تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به أي : من ذلك
وهكذا كان يقرؤها الربيع بن أنس : " فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه " رواه ابن جرير ; ولهذا قال بعده : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فصل قال الشافعي : اختلف أصحابنا في الخلع ، فأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد ، يتزوجها إن شاء لأن الله تعالى يقول : ( الطلاق مرتان قرأ إلى : ( أن يتراجعا قال الشافعي : وأخبرنا سفيان ، عن عمرو ( بن دينار ) عن عكرمة قال : كل شيء أجازه المال فليس بطلاق . وروى غير الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس : أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله فقال : رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه ، أيتزوجها ؟ قال : نعم ، ليس الخلع بطلاق ، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها ، والخلع فيما بين ذلك ، فليس الخلع بشيء ، ثم قرأ : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقرأ : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من أن الخلع ليس بطلاق ، وإنما هو فسخ هو رواية عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وابن عمر
وهو قول طاوس ، وعكرمة
وبه يقول أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه ، وأبو ثور ، وداود بن علي الظاهري
وهو مذهب الشافعي في القديم ، وهو ظاهر الآية الكريمة . والقول الثاني في الخلع : إنه طلاق بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك
قال مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن جمهان مولى الأسلميين عن أم بكر الأسلمية : أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن خالد بن أسيد ، فأتيا عثمان بن عفان في ذلك ، فقال : تطليقة ; إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت
قال الشافعي : ولا أعرف جمهان
وكذا ضعف أحمد بن حنبل هذا الأثر ، والله أعلم . وقد روي نحوه عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر
وبه يقول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وشريح ، والشعبي ، وإبراهيم ، وجابر بن زيد
وإليه ذهب مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، وعثمان البتي ، والشافعي في الجديد
غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخالع بخلعه تطليقة أو اثنتين أو أطلق فهو واحدة بائنة
وإن نوى ثلاثا فثلاث
وللشافعي قول آخر في الخلع ، وهو : أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق ، وعري عن النية فليس هو بشيء بالكلية . مسألة : وذهب مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق في رواية عنهما ، وهي المشهورة ; إلى أن المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء ، إن كانت ممن تحيض
وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عمر
وبه يقول سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وعروة ، وسالم ، وأبو سلمة ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب ، والحسن ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وأبو عياض ، وجلاس بن عمرو ، وقتادة ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو عبيد
قال الترمذي : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم
ومأخذهم في هذا أن الخلع طلاق ، فتعتد كسائر المطلقات . والقول الثاني : أنها تعتد بحيضة واحدة تستبرئ بها رحمها
قال ابن أبي شيبة : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع أن الربيع اختلعت من زوجها ، فأتى عمها عثمان ، رضي الله عنه ، فقال : تعتد حيضة
قال : وكان ابن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض ، حتى قال هذا عثمان ، فكان ابن عمر يفتي به ويقول : عثمان خيرنا وأعلمنا . وحدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : عدة المختلعة حيضة . وحدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : عدتها حيضة
وبه يقول عكرمة ، وأبان بن عثمان ، وكل من تقدم ذكره ممن يقول : إن الخلع فسخ يلزمه القول بهذا ، واحتجوا لذلك بما رواه أبو داود ، والترمذي ، حيث قال كل واحد منهما : حدثنا محمد بن عبد الرحيم البغدادي ، حدثنا علي بن بحر ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن عمرو بن مسلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي ﷺ ، فأمرها النبي ﷺ أن تعتد بحيضة
ثم قال الترمذي : حسن غريب
وقد رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عمرو بن مسلم ، عن عكرمة مرسلا . حديث آخر : قال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن وهو مولى آل طلحة ، عن سليمان بن يسار ، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء : أنها اختلعت على عهد رسول الله ﷺ ، فأمرها النبي أو أمرت أن تعتد بحيضة
قال الترمذي : الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة . طريق أخرى : قال ابن ماجه : حدثنا علي بن سلمة النيسابوري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي عن ابن إسحاق ، أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قال : قلت لها : حدثيني حديثك
قالت : اختلعت من زوجي ، ثم جئت عثمان ، فسألت : ماذا علي من العدة ؟ قال : لا عدة عليك ، إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضة
قالت : وإنما تبع في ذلك قضاء رسول الله ﷺ في مريم المغالية ، وكانت تحت ثابت بن قيس ، فاختلعت منه . وقد روى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن الربيع بنت معوذ قالت : سمعت رسول الله ﷺ يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد بحيضة . مسألة : وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ; لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء
وروي عن عبد الله بن أبي أوفى ، وماهان الحنفي ، وسعيد بن المسيب ، والزهري أنهم قالوا : إن رد إليها الذي أعطاها جاز له رجعتها في العدة بغير رضاها ، وهو اختيار أبي ثور ، رحمه الله
وقال سفيان الثوري : إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقة ولا سبيل له عليها
وإن كان سمى طلاقا فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدة
وبه يقول داود بن علي الظاهري : واتفق الجميع على أن للمختلع أن يتزوجها في العدة
وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر ، عن فرقة أنه لا يجوز له ذلك ، كما لا يجوز لغيره ، وهو قول شاذ مردود . مسألة : وهل له أن يوقع عليها طلاقا آخر في العدة ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء : أحدهما : ليس له ذلك ; لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه
وبه يقول ابن عباس ، وابن الزبير ، وعكرمة ، وجابر بن زيد ، والحسن البصري ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه ، وأبو ثور . والثاني : قال مالك : إن أتبع الخلع طلاقا من غير سكوت بينهما وقع ، وإن سكت بينهما لم يقع
قال ابن عبد البر : وهذا يشبه ما روي عن عثمان ، رضي الله عنه . والثالث : أنه يقع عليها الطلاق بكل حال ما دامت في العدة ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي
وبه يقول سعيد بن المسيب ، وشريح ، وطاوس ، وإبراهيم ، والزهري ، والحكم وحماد بن أبي سليمان
وروي ذلك عن ابن مسعود ، وأبي الدرداء قال ابن عبد البر : وليس ذلك بثابت عنهما . وقوله : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون أي : هذه الشرائع التي شرعها لكم هي حدوده ، فلا تتجاوزوها
كما ثبت في الحديث الصحيح : " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها ، وفرض فرائض فلا تضيعوها ، وحرم محارم فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان ، فلا تسألوا عنها " . وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة حرام ، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم ، وإنما السنة عندهم أن يطلق واحدة واحدة ، لقوله : ( الطلاق مرتان ثم قال : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ويقوون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي رواه النسائي في سننه حيث قال : حدثنا سليمان بن داود ، أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه ، عن محمود بن لبيد قال : أخبر رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ، ثم قال : " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ ! " حتى قام رجل فقال يا رسول الله ، ألا أقتله ؟ فيه انقطاع .

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان القول في تأويل قوله تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته , والعدد الذي تبين به زوجته منه . ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه , فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج , وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه . ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك : 3775 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن هشام بن عروة , عن أبيه , قال : كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته , فغضب رجل من الأنصار على امرأته , فقال لها : لا أقربك ولا تحلين مني ! قالت له : كيف ؟ قال : أطلقك , حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك , فإذا دنا أجلك راجعتك . قال : فشكت ذلك إلى النبي ﷺ , فأنزل الله تعالى ذكره : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف ) . . الآية . * حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , عن هشام , عن أبيه , قال رجل لامرأته على عهد النبي ﷺ : لا آويك , ولا أدعك تحلين ! فقالت له : كيف تصنع ؟ قال : أطلقك , فإذا دنا مضي عدتك راجعتك , فمتى تحلين ؟ فأتت النبي ﷺ , فأنزل الله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فاستقبله الناس جديدا من كان طلق ومن لم يكن طلق . 3776 - حدثنا محمد بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك , ثم يراجع ما كانت في العدة , فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات . * حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حد في ذلك , هي امرأته ما راجعها في عدتها , فجعل الله حد ذلك يصير إلى ثلاثة قروء , وجعل حد الطلاق ثلاث تطليقات . 3777 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : ( الطلاق مرتان ) قال كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاث ليس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة , ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحل كان ذلك له , وطلق رجل امرأته حتى إذا كادت أن تحل ارتجعها , ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك ليضارها بتركها , حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها , وصنع ذلك مرارا . فلما علم الله ذلك منه , جعل الطلاق ثلاثا , مرتين , ثم بعد المرتين إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان . 3778 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) أما قوله : ( الطلاق مرتان ) فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة . 3779 - حدثنا هناد , قال : ثنا أبو الأحوص , عن سماك , عن عكرمة في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قال : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين , فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة , فإن شاء طلقها أخرى , فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره . فتأويل الآية على هذا الخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة إذا كن مدخولا بهن : تطليقتان , ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان , لأنه لا رجعة له بعد التطليقتين إن سرحها فطلقها الثالثة . وقال آخرون إنما أنزلت هذه الآية على نبي الله ﷺ تعريفا من الله تعالى ذكره عباده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن , لا دلالة على القدر الذي تبين به المرأة من زوجها . ذكر من قال ذلك : 3780 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مطرف , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قال : يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع , ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى , ثم يطلقها إن شاء , ثم إن أراد أن يراجعها راجعها , ثم إن شاء طلقها , وإلا تركها حتى تتم ثلاث حيض وتبين منه به . 3781 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين , فليتق الله في التطليقة الثالثة , فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها , أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا . 3782 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قال : يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع , فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء , ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى , إن أحب أن يفعل , فإن طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان , ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بنحوه , إلا أنه قال : فحاضت الحيضة الثانية , كما طلق الأولى , فهذان تطليقتان وقرءان , ثم قال : الثالثة , وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو , عن أبي عاصم . وتأويل الآية على قول هؤلاء : سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاق نسائكم , أن تطلقوهن ثنتين في كل طهر واحدة , ثم الواجب بعد ذلك عليكم : إما أن تمسكوهن بمعروف , أو تسرحوهن بإحسان . والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم , وبطول الرجعة فيه , والذي يكون فيه الرجعة منه . وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) فعرف عباده القدر الذي به تحرم المرأة على زوجها إلا بعد زوج , ولم يبين فيها الوقت الذي يجوز الطلاق فيه والوقت الذي لا يجوز ذلك فيه , فيكون موجها تأويل الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه . وأما قوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فإن في تأويله وفيما عني به اختلافا بين أهل التأويل , فقال بعضهم : عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية من عشرتهن بالمعروف , أو فراقهن بطلاق . ذكر من قال ذلك : 3783 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : الطلاق مرتان ؟ قال : يقول عند الثالثة : إما أن يمسك بمعروف , وإما أن يسرح بإحسان . وغيره قالها قال : وقال مجاهد : الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره , فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل , وتعتد لغيره . 3784 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , عن إسماعيل بن سميع , عن أبي رزين , قال : أتى النبي ﷺ رجل فقال : يا رسول الله أرأيت قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فأين الثالثة ؟ قال رسول الله ﷺ : " إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان ; هي الثالثة " . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى بن سعيد , وعبد الرحمن بن مهدي , قالا : ثنا سفيان , عن إسماعيل بن سميع , عن أبي رزين , قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله , الطلاق مرتان , فأين الثالثة ؟ قال : " إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان " * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن إسماعيل , عن أبي رزين , قال : قال رجل : يا رسول الله , يقول الله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف ) فأين الثالثة ؟ قال : " التسريح بإحسان " . 3785 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن ابن جريج , عن مجاهد : ( أو تسريح بإحسان ) قال في الثالثة . 3786 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن معمر , عن قتادة قال : كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله : ( الطلاق مرتان ) قال : الثالثة : ( إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) . وقال آخرون منهم : بل عنى الله بذلك الدلالة على ما يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان , بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن , فيصرن أملك لأنفسهن . وأنكروا قول الأولين الذين قالوا : إنه دليل على التطليقة الثالثة . ذكر من قال ذلك : 3787 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : ذلك : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) إذا طلق واحدة أو اثنتين , إما أن يمسك - ويمسك : يراجع بمعروف - وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها . 3788 - حدثنا علي بن عبد الأعلى , قال : ثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك : ( أو تسريح بإحسان ) والتسريح : أن يدعها حتى تمضي عدتها . 3789 - حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تصريح بإحسان ) قال : يعني تطليقتين بينهما مراجعة , فأمر أن يمسك أو يسرح بإحسان . قال : فإن هو طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره . وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلى أن معنى الكلام : الطلاق مرتان , فإمساك في كل واحدة منهما لهن بمعروف , أو تسريح لهن بإحسان . وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي ﷺ , الذي رواه إسماعيل بن سميع , عن أبي رزين ; فإن اتباع الخبر عن رسول الله ﷺ أولى بنا من غيره . فإذا كان ذلك هو الواجب , فبين أن تأويل الآية : الطلاق الذي لأزواج النساء على نسائهم فيه الرجعة مرتان , ثم الأمر بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية , إما إمساك بمعروف , وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة حتى تبين منهم , فتبطل ما كان لهن عليهن من الرجعة ويصرن أملك لأنفسهن منهن . فإن قال قائل : وما ذلك الإمساك الذي هو بمعروف ؟ قيل : هو ما : 3790 - حدثنا به علي بن عبد الأعلى المحاربي , قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : ( فإمساك بمعروف ) قال : المعروف : أن يحسن صحبتها . 3791 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : ( فإمساك بمعروف ) قال : ليتق الله في التطليقة الثالثة , فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها . فإن قال : فما التسريح بإحسان ؟ قيل : هو ما : 3792 - حدثني به المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : ( أو تسريح بإحسان ) قيل : يسرحها , ولا يظلمها من حقها شيئا . 3793 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) قال : هو الميثاق الغليظ . 3794 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( أو تسريح بإحسان ) قال : الإحسان : أن يوفيها حقها , فلا يؤذيها , ولا يشتمها . 3795 - حدثنا علي بن عبد الأعلى , قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك : ( أو تسريح بإحسان ) قال : التسريح بإحسان : أن يدعها حتى تمضي عدتها , ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها . فذلك التسريح بإحسان , والمتعة على قدر الميسرة . 3796 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن عطاء الخراساني , عن ابن عباس في قوله : ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) 4 21 قال قوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فإن قال : فما الرافع للإمساك والتسريح ؟ قيل : محذوف اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره , ومعناه : الطلاق مرتان , فالأمر الواجب حينئذ به إمساك بمعروف , أو تسريح بإحسان . وقد بينا ذلك مفسرا في قوله : ( فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) 2 178 فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ) يعني تعالى ذكره بقوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ) ولا يحل لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهن بطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مما أعطيتموهن من الصداق , وسقتم إليهن , بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان , وذلك إيفادهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . واختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) وذلك قراءة عظم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله , وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب : " إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله " . 3797 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : أخبرني ثور , عن ميمون بن مهران , قال : في حرف أبي بن كعب إن الفداء تطليقة . قال : فذكرت ذلك لأيوب , فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة , فقرأناه فإذا فيه : " إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله , فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " : لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره . والعرب قد تضع الظن موضع الخوف والخوف موضع الظن في كلامها لتقارب معنييهما , كما قال الشاعر : أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي بمعنى : ما ظننت . وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة : " إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله " فأما قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة , فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود , وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : " إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله " وقراءة ذلك كذلك اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ ; وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه , فإنما أعمل الخوف في " أن " وحدها , وذلك غير مدفوعة صحته , كما قال الشاعر : إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها فأما قارئه إلا أن يخافا بذلك المعنى , فقد أعمل في متروكة تسميته وفي " أن " , فأعمله في ثلاثة أشياء : المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله , وفي أن التي تنوب عن شيئين , ولا تقول العرب في كلامها ظنا أن يقوما , لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا , ولكن على أن يكون مرادا به إذا قرئ كذلك . إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله , أو على أن لا يقيما حدود الله , فيكون العامل في أن غير الخوف , ويكون الخوف عاملا فيما لم يسم فاعله . وذلك هو الصواب عندنا في القراءة لدلالة ما بعده على صحته , وهو قوله : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) فكان بينا أن الأول بمعنى : إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله . فإن قال قائل : وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها ؟ قيل : حال نشوزها وإظهارها له بغضته , حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق , ويخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها عليه , فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه , والحال التي أباح النبي ﷺ لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان أتى زوجته إذ نشزت عليه بغضا منها له . كما : 3798 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : قرأت على فضيل , عن أبي جرير أنه سأل عكرمة , هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام أخت عبد الله بن أبي , أنها أتت رسول الله ﷺ فقالت : يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا ! إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة , فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . قال زوجها : يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي حديقة فلترد علي حديقتي ! قال : " ما تقولين ؟ " قالت : نعم , وإن شاء زدته قال : ففرق بينهما . 3799 - حدثني محمد بن معمر , قال : ثنا أبو عامر , قال : ثنا أبو عمرو السدوسي , عن عبد الله , يعني ابن أبي بكر , عن عمرة عن عائشة : أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس , فضربها فكسر بعضها , فأتت رسول الله ﷺ بعد الصبح , فاشتكته , فدعا رسول الله ثابتا , فقال : " خذ بعض مالها وفارقها ! " قال : ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال : " نعم " , قال : فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها . فقال النبي ﷺ : " خذهما وفارقها ! " ففعل . 3800 - حدثنا أبو يسار , قال : ثنا روح , قال : ثنا مالك , عن يحيى , عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية : أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس , وأن رسول الله ﷺ رآها عند بابه بالغلس , فقال رسول الله ﷺ " من هذه ؟ " قالت : أنا حبيبة بنت سهل , لا أنا ولا ثابت بن قيس ! لزوجها . فلما جاء ثابت قال له رسول الله ﷺ : وهذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر " . فقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطانيه عندي . فقال رسول الله ﷺ : " خذ منها ! " فأخذ منها وجلست في بيتها . 3801 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسن بن واقد , عن ثابت , عن عبد الله بن رباح , عن جميلة بنت أبي ابن سلول , أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه , فأرسل إليها النبي ﷺ , فقال : " يا جميلة ما كرهت من ثابت ؟ " قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا , إلا أني كرهت دمامته . فقال لها : " أتردين الحديقة ؟ " قالت : نعم ! فردت الحديقة وفرق بينهما . وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما , أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه . 3802 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , قال : نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة , قال : وكانت اشتكته إلى رسول الله ﷺ , فقال رسول الله ﷺ : " أتردين عليه حديقته ؟ " فقالت : نعم ! فدعاه رسول الله ﷺ فذكر ذلك له , فقال : ويطيب لي ذلك ؟ قال : " نعم " , قال ثابت : وقد فعلت فنزلت : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ) . وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله , فقال بعضهم : ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها , فإذا ظهر ذلك منها له , حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها . ذكر من قال ذلك : 3803 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها , فتدعوك إلى أن تفتدي منك , فلا جناح عليك فيما افتدت به . 3804 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : قال ابن جريج : أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول : لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها , ولم يكن يقول : لا يحل له حتى تقول : لا أبر لك قسما , ولا أغتسل لك من جنابة . 3805 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن ابن جريج , قال : أخبرني عمرو بن دينار , قال : قال جابر بن زيد : إذا كان النشز من قبلها حل الفداء . - حدثنا الربيع بن سليمان , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني ابن أبي الزناد , عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحل خلعها . * حدثني علي بن سهل , قال : ثنا محمد بن كثير , عن حماد , عن هشام , عن أبيه أنه قال : لا يصلح الخلع , حتى يكون الفساد من قبل المرأة . 3806 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد , قال : ثنا محمد بن يزيد , عن إسماعيل , عن عامر في امرأة قالت لزوجها : لا أبر لك قسما , ولا أطيع لك أمرا , ولا أغتسل لك من جنابة . قال : ما هذا ؟ وحرك يده , لا أبر لك قسما , ولا أطيع لك أمرا ! إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها . 3807 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة : يعظها , فإن انتهت وإلا هجرها , فإن انتهت وإلا ضربها , فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان , فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها , فيقول الحكم الذي من أهلها : تفعل بها كذا وتفعل بها كذا , ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا وتفعل به كذا , فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده , وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع . 3808 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف ) إلى قوله : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال : إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة , فلا محل له أن يضربها , حتى تفتدي منه , فإن أخذ منها شيئا على ذلك , فما أخذ منها فهو حرام , وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها , فقد حل له أن يأخذ منها ما افتدت به . 3809 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري في قوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) قال : لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن يرى ذلك منها , فأما أن يكون يضارها حتى تختلع , فإن ذلك لا يصلح , ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء , وأساءت عشرته , فقد حل له خلعها . 3810 - حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) قال : الصداق ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة , فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله , فإن قبلت وإلا هجرها , والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد ويوليها ظهره ولا يكلمها , فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته , فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح , فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية . وقال آخرون : بل الخوف من ذلك أن لا تبر له قسما ولا تطيع له أمرا , وتقول : لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا , فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها . ذكر من قال ذلك : 3811 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , قال : قال الحسن : إذا قالت : لا أغتسل لك من جنابة , ولا أبر لك قسما , ولا أطيع لك أمرا , فحينئذ حل الخلع . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : إذا قالت المرأة لزوجها : لا أبر لك قسما , ولا أطيع لك أمرا , ولا أغتسل لك من جنابة , ولا أقيم حدا من حدود الله , فقد حل له مالها . 3812 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا هارون بن المغيرة , عن عنبسة , عن محمد بن سالم , قال : سألت الشعبي , قلت : متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته ؟ قال : إذا أظهرت بغضه وقالت : لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا . 3813 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول : لا تحل الفدية حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة . وقال : إن الزاني يزني ثم يغتسل . 3814 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن حماد , عن إبراهيم في الناشز , قال : إن المرأة ربما عصت زوجها , ثم أطاعته , ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه , فعند ذلك تحل الفدية . 3815 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) فإذا لم يقيما حدود الله , فقد حل له الفداء , وذلك أن تقول : والله لا أبر لك قسما , ولا أطيع لك أمرا , ولا أكرم لك نفسا , ولا أغتسل لك من جنابة . فهو حدود الله , فإذا قالت المرأة ذلك فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها . 3816 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , قال : ثنا عنبسة , عن علي بن بذيمة , عن مقسم في قوله : ( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) 4 19 يقول : " إلا أن يفحشن " في قراءة ابن مسعود , قال إذا عصتك وآذتك , فقد حل لك ما أخذت منها . 3817 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) قال : الخلع , قال : ولا يحل له إلا أن تقول المرأة لا أبر قسمه ولا أطيع أمره , فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها , ويتعدى الحق . وقال آخرون : بل الخوف من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أنها له كارهة . ذكر من قال ذلك : 3818 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث , عن الليث , عن أيوب بن موسى , عن عطاء بن أبي رباح , قال : يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها : إني لأكرهك , وما أحبك , ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك . وتطيب نفسك بالخلع . وقال آخرون : بل الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر . ذكر من قال ذلك : 3819 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : ثنا بشر بن المفضل قال : ثنا داود , عن عامر , حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن داود , قال : قال عامر : أحل له مالها بنشوزه ونشوزها . 3820 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : قال ابن جريج , قال : طاوس : يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره , ولم يكن يقول قول السفهاء : لا أبر لك قسما , ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره : ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة . 3821 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن محمد بن إسحاق , قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : ( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ) قال : فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة . 3822 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني ابن شهاب , قال : أخبرني سعيد بن المسيب , قال : لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما . وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها , حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعا , على ما ذكرناه عن طاوس والحسن ومن قال في ذلك قولهما ; لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله . فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه , حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له ؟ قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت , وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به , وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله . فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين , فليس هناك للخوف موضع , إذ كان المخوف قد وجد , وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه , فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه .فإن خفتم ألا يقيما حدود الله القول في تأويل قوله تعالى : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما بصنيعها , فقال بعضهم : هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه , وأذاها له بالكلام . ذكر من قال ذلك : 3823 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال : هو تركها إقامة حدود الله , واستخفافها بحق زوجها , وسوء خلقها , فتقول له : والله لا أبر لك قسما , ولا أطأ لك مضجعا , ولا أطيع لك أمرا ; فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية . 3824 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن أبي زائدة , عن يزيد بن إبراهيم , عن الحسن في قوله : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال : إذا قالت : لا أغتسل لك من جنابة حل له أن يأخذ منها . 3825 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : ثنا يونس , عن الزهري قال : يحل الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله , وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما . وقال آخرون : معنى ذلك : فإن خفتم أن لا يطيعا الله . ذكر من قال ذلك : 3826 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن عامر : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) قالا : أن لا يطيعا الله . 3827 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قال : الحدود : الطاعة . والصواب من القول في ذلك : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ما أوجب الله عليهما من الفرائض فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه من العشرة بالمعروف , والصحبة بالجميل , فلا جناح عليهما فيما افتدت به . وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي , وما رويناه عن الحسن والزهري , لأن من الواجب للزوج على المرأة إطاعته فيما أوجب الله طاعته فيه , وأن لا تؤذيه بقول , ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته , فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها . وأما معنى إقامة حدود الله , فإنه العمل بها , والمحافظة عليها , وترك تضييعها , وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته .فلا جناح عليهما فيما افتدت به القول في تأويل قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) يعني قوله تعالى ذكره بذلك : فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق , وألزمه له من فرض , وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها , ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه . فإن قال قائل : وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرار من الرجل بها فيما افتدت به نفسها , فيكون لا جناح عليهما فيما أعطته من الفدية على فراقها إذا كان النشوز من قبلها ؟ قيل : لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها , ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس , ولا دين , ولا حق عليها في ذهاب حق لها لما حل لها إعطاؤه ذلك , إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس , ولا دين , ولا في حق لها تخاف ذهابه , فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه , فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها , وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس , ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم , وهي إذا أعطته على هذا الوجه باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى أولى إن شاء الله من الجناح والحرج , ولذلك قال تعالى ذكره : ( فلا جناح عليهما ) فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها , وعنه فيما قبض منها إذا كانت معطية على المعنى الذي وصفنا , وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار , بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم . وقد يتجه قوله : ( فلا جناح عليهما ) وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله ﷺ لامرأة ثابت بن قيس بن شماس , وذلك لكراهتها أخلاق زوجها أو دمامة خلقه , وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض , ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها كان حراما عليها أن تعطي على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا ; لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها لله , وتلك هي المختلعة - إن خولعت على ذلك الوجه - التي روي عن النبي ﷺ أنه سماها منافقة . كما : 3828 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثني المعتمر بن سليمان , عن ليث , عن أبي إدريس , عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ , عن النبي ﷺ أنه قال : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرم الله عليها رائحة الجنة " . وقال : " المختلعات هن المنافقات " 3829 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا مزاحم بن دواد بن علية , عن أبيه , عن ليث بن أبي سليم , عن أبي الخطاب عن أبي زرعة , عن أبي إدريس , عن ثوبان مولى رسول الله , عن رسول الله ﷺ قال : والمختلعات هن المنافقات " 3830 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا حفص بن بشر , قال : ثنا قيس بن الربيع , عن أشعث بن سوار , عن الحسن , عن ثابت بن يزيد , عن عقبة بن عامر الجهني , قال : قال رسول الله ﷺ : " إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات " * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , وحدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قالا جميعا : ثنا أيوب , عن أبي قلابة , عمن حدثه , عن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال : " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة " . * حدثني المثنى , قال : ثنا عارم , قال : ثنا حماد بن زيد , عن أيوب , عن أبي قلابة , عن أبي أسماء الرحبي , عن ثوبان , عن رسول الله ﷺ نحوه . فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة , وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح , وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة , ومنه ما يكون عليهما , ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح . قيل في الوجه : الذي لا حرج عليهما فيه لا جناح إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها لا جناح عليهما فيما افتدت به من الوجه الذي أبيح لهما , وذلك أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه . وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين : أحدهما أن يكون مرادا له : فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة , وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال في سورة الرحمن : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) 55 22 وهما من الملح لا من العذب , قال : ومثله . ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ) 18 61 وإنما الناسي صاحب موسى وحده ; قال : ومثله في الكلام أن تقول : عندي دابتان أركبهما وأسقي عليهما وإنما تركب إحداهما وتسقي على الأخرى , وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها في الكلام . قال : والوجه الآخر أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح , إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الإثم . اشتركت فيه , لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت إلى مثل ذلك . قال أبو جعفر : فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين , ولا في احتجاجه فيما احتج به قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) 55 22 فأما قوله : ( فلا جناح عليهما ) فقد بينا وجه صوابه , وسنبين وجه قوله : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) 55 22 في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى . وإنما خطأنا قوله ذلك ; لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن , وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان , فأضاف إلى اثنين , فلو جاز لقائل أن يقول : إنما أريد به الخبر عن أحدهما فيما لم يكن مستحيلا أن يكون عنهما جاز في كل خبر كان عن اثنين غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما أن يقال : إنما هو خبر عن أحدهما , وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم , وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) أمعني به : أنهما موضوع عنهما الجناح في كل حد افتدت به المرأة نفسها من شيء أم في بعضه ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك فلا جناح عليهما فيما افتدت به من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه واحتجوا في قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود على أولها , وأن معنى الكلام : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) مما آتيتموهن . قالوا : فالذي أحله الله لهما من ذلك عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك . واحتجوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس , وأن رسول الله ﷺ إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه أن ترد ما كان ثابت أصدقها , وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي ﷺ . ذكر من قال ذلك : 3831 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع أنه كان يقول : لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها , ويقول : إن الله يقول : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) منه , يقول : من المهر . وكذلك كان يقرؤها : " فيما افتدت به منه " 3832 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا بشر بن بكر , عن الأوزاعي , قال : سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والزهري يقولون في الناشز : لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها . 3833 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا الوليد , ثنا أبو عمرو , عن عطاء , قال : الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها . 3834 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة , قال : ثنا ابن إدريس , عن أشعث , عن الشعبي , قال : كان يكره أن يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها , وكان يرى أن يأخذ دون ذلك . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي حصين , عن الشعبي , قال : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها . * حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم , عن الشعبي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها , يعني المختلعة . 3835 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب , قالا : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت ليثا عن الحكم بن عتيبة , قال : كان علي رضي الله عنه يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها . 3836 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا سعيد , عن الحكم أنه قال في المختلعة : أحب إلي أن لا يزداد . 3837 - حدثني المثنى , قال : ثنا حجاج , قال : ثنا حماد , عن حميد أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . * حدثنا محمد بن يحيى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن مطر أنه سأل الحسن , أو أن الحسن سئل عن رجل تزوج امرأة على مائتي درهم , فأراد أن يخلعها , هل له أن يأخذ أربعمائة ؟ فقال : لا والله , ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : كان الحسن يقول : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها . قال معمر : وبلغني عن علي أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها . 3838 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن عبد الكريم الجزري , عن ابن المسيب , قال : ما أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها منه ما يعيشها . 3839 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن طاوس أن أباه كان يقول في المفتدية : لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . 3840 - حدثنا الحسن , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , قال : لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها . وقال آخرون : بل عنى بذلك : فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره . واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية , وأنه غير جائز إحالة ظاهر عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها قالوا : ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية . دون بعض من أصل أو قياس , فهي على ظاهرها وعمومها . ذكر من قال ذلك : 3841 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب عن كثير مولى سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز , فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا , ثم دعا بها فقال : كيف وجدت ؟ قالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني . فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب , عن كثير مولى سمرة , قال : أخذ عمر بن الخطاب امرأة ناشزة فوعظها , فلم تقبل بخير , فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام وذكر نحو حديث ابن علية . 3842 - حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى , قالا : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن حميد بن عبد الرحمن : أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فشكت زوجها , فقال : إنها ناشز . فأباتها في بيت الزبل , فلما أصبح قال لها : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة . فقال : خذ ولو عقاصها . 3843 - حدثنا نصر بن علي , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا عبيد الله , عن نافع : أن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه إلا من ثيابها , فلم يعب ذلك ابن عمر . * حدثنا محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى , قالا : ثنا معتمر , قال : سمعت عبيد الله يحدث , عن نافع , قال : ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها , فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره . 3844 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي , قال : ثنا هشيم , عن حميد , عن رجاء بن حيوة , عن قبيصة بن ذؤيب : أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . ثم تلا هذه الآية : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) 3845 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن المغيرة , عن إبراهيم , قال في الخلع : خذ ما دون عقاص شعرها , وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : الخلع بما دون عقاص الرأس . * حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن الحكم , عن إبراهيم أنه قال في المختلعة : خذ منها ولو عقاصها . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مغيرة , عن إبراهيم , قال : الخلع بما دون عقاص الرأس , وقد تفتدي المرأة ببعض مالها . 3846 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الربيع ابنة معوذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني , ويحرمني إذا غاب . قالت : فكانت مني زلة يوما , فقلت : أختلع منك بكل شيء أملكه ! قال : نعم ! قال : ففعلت قالت : فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان , فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه . أو قالت : ما دون عقاص الرأس . 3847 - حدثني ابن المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا الحسن بن يحيى , عن الضحاك , عن ابن عباس , قال : لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير , ولو عقصها . 3848 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا حجاج , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها . 3849 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس : ليأخذ منها حتى قرطها . يعني في الخلع . 3850 - حدثني المثنى , قال : ثنا مطرف بن عبد الله , قال : أخبرنا مالك بن أنس , عن نافع , عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد : أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها , فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر . * حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا حماد , قال : أخبرنا حميد , عن رجاء بن حيوة , عن قبيصة بن ذويب أنه تلا هذه الآية : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال : يأخذ أكثر مما أعطاها . 3851 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبي عدي , عن حميد , قال : قلت لرجاء بن حيوة : إن الحسن يقول في المختلعة : لا يأخذ أكثر مما أعطاها , ويتأول : ( ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) قال رجاء : فإن قبيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها , ويتأول : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) وقال آخرون : هذه الآية منسوخة بقوله : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) 4 20 ذكر من قال ذلك : 3852 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث , قال : ثنا عقبة بن أبي الصهباء قال : سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا ؟ قال لا وقرأ : ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) 4 21 3853 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج , قال : ثنا عقبة بن أبي الصهباء , قال : سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الخلع , قال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا . قلت : يقول الله تعالى ذكره في كتابه : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) قال : هذه نسخت . قلت : فإني حفظت ؟ قال : حفظت في سورة النساء قول الله تعالى ذكره : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) 4 20 وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله على سبيل ما قدمنا البيان عنه , فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها من قليل ما تملكه وكثيره مما يجوز للمسلمين أن يملكوه , وإن

الآية 229 من سورة البَقَرَة باللغة الإنجليزية (English) - (Sahih International) : Verse (229) - Surat Al-Baqarah

Divorce is twice. Then, either keep [her] in an acceptable manner or release [her] with good treatment. And it is not lawful for you to take anything of what you have given them unless both fear that they will not be able to keep [within] the limits of Allah. But if you fear that they will not keep [within] the limits of Allah, then there is no blame upon either of them concerning that by which she ransoms herself. These are the limits of Allah, so do not transgress them. And whoever transgresses the limits of Allah - it is those who are the wrongdoers

الآية 229 من سورة البَقَرَة باللغة الروسية (Русский) - Строфа (229) - Сура Al-Baqarah

Развод допускается дважды, после чего надо либо удержать жену на разумных условиях, либо отпустить ее по-доброму. Вам не дозволено брать что-либо из дарованного им, если только у обеих сторон нет опасения, что они не смогут соблюсти ограничения Аллаха. И если вы опасаетесь, что они не смогут соблюсти ограничения Аллаха, то они оба не совершат греха, если она выкупит развод. Таковы ограничения Аллаха, не преступайте же их. А те, которые преступают ограничения Аллаха, являются беззаконниками

الآية 229 من سورة البَقَرَة باللغة الاوردو (اردو میں) - آیت (229) - سوره البَقَرَة

طلاق دو بار ہے پھر یا تو سیدھی طرح عورت کو روک لیا جائے یا بھلے طریقے سے اس کو رخصت کر دیا جائے اور رخصت کر تے ہوئے ایسا کرنا تمہارے لیے جائز نہیں ہے کہ جو کچھ تم انہیں دے چکے ہو، اُس میں سے کچھ واپس لے لو البتہ یہ صورت مستثنیٰ ہے کہ زوجین کو اللہ کے حدود پر قائم نہ رہ سکنے کا اندیشہ ہو ایسی صورت میں اگر تمہیں یہ خوف ہو کہ وہ دونوں حدود الٰہی پر قائم نہ رہیں گے، تو اُن دونوں کے درمیان یہ معاملہ ہو جانے میں مضائقہ نہیں کہ عورت اپنے شوہر کو کچھ معاوضہ دے کر علیحدگی حاصل کر لے یہ اللہ کے مقرر کردہ حدود ہیں، اِن سے تجاوز نہ کرو اور جو لوگ حدود الٰہی سے تجاوز کریں، وہی ظالم ہیں

الآية 229 من سورة البَقَرَة باللغة التركية (Türkçe olarak) - Suresi (229) - Ayet البَقَرَة

Boşanma iki defadır. Ya iyilikle tutma ya da iyilik yaparak bırakmadır. İkisi Allah'ın yasalarını koruyamamaktan korkmadıkça kadınlara verdiklerinizden (mehirden) bir şey almanız size helal değildir. Eğer Allah'ın yasalarını ikisi koruyamıyacaklar diye korkarsanız, o zaman kadının fidye vermesinde (mehrinden vazgeçerse) ikisine de günah yoktur. Bunlar Allah'ın yasalarıdır, onları bozmayın. Allah'ın yasalarını bozanlar ancak zalimlerdir

الآية 229 من سورة البَقَرَة باللغة الأسبانية (Spanish) - Sura (229) - versículo البَقَرَة

El divorcio puede revocarse dos veces. Luego de lo cual no cabe sino convivir dignamente o separarse definitivamente con decoro. No es permitido [a los hombres] tomar nada de lo que hayan dado [como dote]. Pero si no existe una voluntad de convivencia y temen que no se cumpla con lo que Dios ha ordenado [sobre el buen trato], no incurrirá en falta ninguno de los dos [esposos] en que la mujer llegue a un acuerdo económico con su marido para la disolución del matrimonio. Éstas son las leyes de Dios, no las quebranten. Quienes las quebrantan son los opresores